عالقون في أعالي البحار

TT

إن ظن معظم الناس أن جميع الاتجار بالبشر يتعلق بالاستغلال الجنسي، فتلك غلطة مفهومة؛ إذ ورد في تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام الماضي عن التهريب أن 85 في المائة من المقاضاة على هذه الجريمة في العالم، وأكثر من 89 في المائة من الإدانات كانت على جرائم تتعلق بالجنس. لكن وكما توصلت إليه دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية عام 2012، فإن أكثر من ثلاثة أرباع ضحايا الاتجار بالبشر في سوق الاقتصاد الخاص العالمي يستغلون من أجل العمل. وبدأ العالم يتعلم مدى ارتباط الكثير من ذلك بالصيد البحري. نعم الصيد البحري.

ليس هو عرضا من بعض عروض تلفزيون الواقع عن بعض البحارة الجسورين ولكنه العالم الكالح للصيد البحري غير المشروع أو المنظم أو المبلغ عنه. فلا تكتفي السفن التي تعمل في الصيد غير المشروع بسرقة الموارد الغذائية الثمينة من شواطئ البلدان الفقيرة، والقيام بتهريب المخدرات وتدمير النظم البيئية البحرية فحسب، بل يقع ضحيتها أيضا البشر من العمال العالقين على السفن كعبيد.

بالنسبة لغرض الاتهام فمن الصعب الطعن في خلاصة دراسة لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في 2011: «لعل أكثر نتائج الدراسة إثارة للقلق هو قسوة استغلال الصيادين على من يجري الاتجار بهم لغرض العمل القسري على سفن الصيد. ولا يمكن وصف تلك الممارسات إلا بالمعاملة الوحشية وغير الإنسانية في حدها الأقصى. ومن الصور المقلقة بوجه خاص من صور الاستغلال تلك كثرة الاتجار بالأطفال في صناعة الصيد البحري».

عندما يتعلق الأمر بالصيد البحري فللكونغرس الفرصة لإحداث تغيير حقيقي لمنع هذه المعاملة القاسية للعمال الذين لا يكون لديهم فكرة عن الطريقة التي سيعلقون بها في البحر، ولا يكلف ذلك أي مال. كل ما يحتاج المشرعون القيام به هو التصديق على الاتفاقية الدولية وتطبيقها.

حتى لو نظرنا إلى الصيد البحري غير المشروع أو المنظم كمشكلة اقتصادية وبيئية فقط فهي مشكلة خطيرة. وقدرت دراسة علمية عام 2009 خسارة العالم السنوية من الصيد البحري غير المشروع أو المنظم بنحو 23.5 مليار دولار. كما توصلت إدارة الأجواء والمحيطات القومية إلى أن «الصيد البحري غير المشروع أو المنظم بتأثيره السلبي على مصائد الأسماك والنظم البيئية البحرية والأمن الغذائي والمجتمعات الشاطئية عبر العالم، يقوض الجهود المحلية والعالمية للمحافظة على البيئة وإدارتها».

كل ما سبق ذكره بعيد عن القصة الحقيقية، فسفن الصيد أقل من ناحية التنظيم الحذر من غيرها بكثير لأنه غير مطلوب أن تكون هناك أرقام مميزة لسفن الصيد، فمن المعروف أن عددا كبيرا من سفن الصيد تغير أسماء وأعلام تسجيلها حتى تكون متقدمة خطوة أكثر على السلطات. وأصدر الإنتربول إنذارين دوليين العام الماضي لسفينتين قامتا بذلك. غير مطلوب أيضا من سفن الصيد أن تكون بها أجهزة إشارات لاسلكية تعمل مع الأقمار الصناعية، مما يسهل عليها تجنب المراقبة. بالإضافة إلى ذلك تركت قرارات إنفاذ القانون تقليديا للدولة التي تكون السفينة مسجلة فيها أو التي تحمل علمها، بدلا من الدول التي توجد بها الموانئ التي ترسو فيها وتجلب بضائعها إلى شواطئها وهي المواقع التي يكبر فيها احتمال الإمساك بالسفن وهي تقوم بعمل غير مشروع.

وثبت أن الإنفاذ المتراخي للقانون وإمكانية الهروب من المراقبة أمر لا يقاوم من قبل المجرمين، الذين يستغلون الصيد البحري غير المشروع لتغطية أنشطة أخرى غير مشروعة. فعلى سبيل المثال أشار تقرير وزارة الخارجية الأميركية إلى أن تهريب المخدرات دائما ما يجد العون من سفن الصيد التي تنقل المخدرات عبر جزر الباهاما وجامايكا وفلوريدا.

لكن أبعاد الاتجار بالبشر أسوأ وتصل إلى مستوى الاسترقاق الحديث الذي يعلق عن طريق العمال في أعالي البحار، بعيدا عن أيدي سلطات إنفاذ القانون. ولحسن الحظ هذه قضية أبدى أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري اهتمامهم بها. ففي عام 2000 أقر الكونغرس بدعم مشترك من الحزبين قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، والذي يعرف الاتجار بالبشر بوصفه لغرض العمل أو الجنس ويوفر حماية مهمة للضحايا، إضافة إلى المنع والمقاضاة. وتمت إعادة إقرار القانون في مارس (آذار) الماضي مع موافقة كبيرة من الحزبين.

كما وقع المسؤولون الأميركيون عام 2009 اتفاقية إجراءات دول الموانئ. هذه الاتفاقية التي ما زالت تنظر تصديق الكونغرس عليها، تستطيع تعزيز إجراءات التفتيش بالموانئ لمواجهة الصيد البحري غير المشروع. ولم تصادق سوى تسع دول على هذه الاتفاقية وبإمكان الولايات المتحدة تقديم قيادة قوية لها. ويمكن للكونغرس أيضا إقرار قانون القضاء على قرصنة الصيد والذي حظي بدعم الحزبين عندما أدخل للمرة الأولى في 2011 والذي سيؤدي إلى تطبيق الاتفاقية الدولية.

بالإمكان اتخاذ خطوات للقضاء على كل أشكال الاتجار بالبشر. قد تبدو كلمة «الاتجار بالبشر» وكأنها تشير إلى تهريب البشر عبر حدود الدول، ولكنها تعني تحويل البشر إلى سلع، وسلبهم استقلالهم. سيحقق منع الصيد البحري غير المشروع مكاسب أكبر بكثير من مجرد إنقاذ النظم البيئية البحرية، إذ سينقذ البشر.

* أستاذ بجامعة جورج تاون وأستاذ مساعد بمجلس حقوق الإنسان للعلاقات الخارجية، وسفير أميركي سابق مختص في الاتجار بالبشر

ما بين 2007 - 2009