والمتطرف راجل عيل

TT

ما زلت أجلس في قاعة المحاضرات، أتلقى الدروس الواجبة في جامعة التطرف، باذلا كل الجهد للعثور على مفتاح شخصية المتطرف. وهو ذلك المفتاح الذي نفتح به الباب لفهم آليات التفكير في عقله. ونحن الفنانين عاجزون عن الوصول إلى الحقيقة عن طريق البحث العلمي، إذ لا طاقة لنا به، هذه مهمة علماء النفس وأطباء النفس المعالجين. نحن نعتمد على الحدس والعيان المباشر وهو ما يجب أن يأخذه العلم في الحسبان.

أراقب باهتمام ما تفعله الآن جماعة الإخوان المصرية من محاولات التعطيل الصبيانية لمسيرة الشعب المصري، وأقارن بينها وبين ما كانت تفعله وهي في سدة السلطة، فلا أجد وصفا لها سوى ذلك المصطلح الشهير «شغل عيال» و«لعب عيال».. ترى هل عثرت على مفتاح شخصية المتطرف؟.. الإجابة هي نعم. هو (راجل عيّل) وهنا يجب التفرقة بين (الطفل) و(العيّل). الطفولة تعني البكارة والبراءة والرغبة في التعلم والقدرة الدائمة على الفرحة، وعندما نصف بها رجلا فإننا في واقع الأمر نمدحه، أما العيّل فهو ذلك الطفل العاجز عن المضي قدما في طريق النضج العاطفي والاجتماعي، الزمن يمر به بينما هو ثابت ساكن في مكانه، كطفل غير قابل لتحمل المسؤولية. من هنا جاء التعبير (شغل عيال) و(شغل مَعْيَلة) نصف بها الأعمال الضارة بالآخرين التي يقوم بها الطفل في مرحلة من طفولته قبل أن ينتقل إلى مرحلة النضج وأعني بها إحساسه بأنه مسؤول عن نفسه وعن مجتمعه، وهو ما يحتم عليه احترام قواعد وقوانين وأعراف هذا المجتمع.

(المَعْيَلة) محطة على طريق الطفولة، إنها مرحلة البهجة الناتجة من إيذاء الآخرين. في هذه المرحلة في دمياط كنت وزملائي الأطفال ننزل بعد الإفطار في شهر رمضان بالتحديد ونمشي في الحواري المظلمة بغير خوف من العفاريت لأنها تسجن في شهر رمضان المبارك، نمشي باحثين عن أطفال يلعبون فنفسد عليهم لعبتهم أو نفتعل معهم خناقة ونضربهم إذا كانوا أقل منا عددا. صديق آخر من أهم المفكرين العرب، كان هو وزملاؤه الأطفال يلفون حجرا في ورق الجرائد ويضعونه في نهر الشارع، طبعا قائد السيارة سيئ الحظ سيتصور أن ما يراه مجرد ورق جرائد سيدوس عليه بعجلات السيارة، ولكنه يفاجأ بالطبع بسيارته تتكسر. هذا هو بالضبط ما يسعد العيال ويسعد المتطرف، أن تتألم أنت بغير أن يحصل هو على أي مكاسب من جراء ما سببه لك من ألم.

التجنيد المبكر لأعضاء جماعة الإخوان المصرية تسبب في إحداث حالة تثبيت (Fixation) عند أفرادها فظلوا وسيظلون للأبد عيالا.. لذلك سترى من بينهم مهندسين وأطباء ومحاسبين وزعماء، ليسوا أكثر من عيال عاجزين عن تحمل مسؤوليتهم تجاه مجتمعهم. أخرج من ذلك لأقول: كل شخص متطرف هو راجل عيّل. حتى لو كان رئيسا لحزب أو جماعة وله مريدون بالآلاف. حتى لو كان مرشدا عاما لجماعة أو حتى لشعب.. هو في نهاية الأمر عيّل يتحمس له كل عيّل لم يحسن أهله تربيته.