من يملك الماضي؟

TT

سؤال مهم جداً من وجهة نظري.. من يملك الماضي؟ أو بشيء من التحديد: من له الحق في الآثار؟ هل الوطن الأم الذي خرجت منه هذه الآثار؟ أم المتحف الذي اشتراها - أو حصل عليها سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة - هو من له هذا الحق؟ لقد تردد هذا السؤال بقوة عندما حاولت منذ سنوات استرداد قناع مومياء الجميلة كا نفر وعمره ثلاثة آلاف سنة، حيث اشتراه متحف سانت لويس بالولايات المتحدة الأميركية ممن قام بسرقته وهو في الطريق من سقارة إلى المتحف المصري بالقاهرة أو العكس، وذلك قبل أن يسافر إلى اليابان ضمن معرض آثار مصرية. وللأسف الشديد خسرنا القضية أمام المحاكم الأميركية، لأن مديرة المتحف المصري قالت في تحقيقات النيابة إن القناع غير مسجل بالمتحف المصري ولا نعلم عنه شيئا! واتضح بعد ذلك أن القناع له رقم تسجيل بالمتحف! وتسببت شهادتها في ضياع أثر وجعلت المسؤولين عن متحف سانت لويس يعلنون بكل استعلاء أنهم وحدهم من يملكون حق التصرف في قناع كا نفر، وأن علاقة القناع الملون البديع انقطعت بوطنه الأم من لحظة خروجه من مصر!! الغريب أن مديرة المتحف المصري - وهي حالياً على المعاش - قامت بنشر كتاب مؤخراً في ألمانيا تصور فيه نفسها بأنها المدافعة الأولى عن آثار مصر! وإن لم تستحِ فافعل ما شئت.

وقد حدث أيضا أن قام مدير متحف برلين السابق بعمل تمثيلية هزلية، حيث اتفق مع اثنين من النحاتين على عمل نموذج لجسم «نفرتيتي» من النحاس، وقام بوضع التمثال النصفي الموجود بالمتحف لديه للملكة «نفرتيتي» على هذا الجسم.. وقمت على الفور بإيقاف هذا التعدي السافر على الملكة المصرية وقلت: «ليس معنى وجود نفرتيتي في برلين أنه أصبح ملكا لها دون مصر، فرأس نفرتيتي سيظل ملكاً للحضارة والبلد الذي أبدعه.».. إن الذي يملك التراث الأثري هي الأرض التي أوجدته وهي صاحبة الحق الأصيل.

وقد كتب جيمس كونو مدير معهد شيكاغو للفنون كتاباً بعنوان: «من يملك الآثار؟»، ويرى فيه أن علاقة مصر الحديثة بالحضارة الفرعونية منعدمة تماماً.. وهذا ليس صحيحاً، لأن المصريين وقفـــــــوا قديماً وحديثاً ضد كل من حاولوا أن يثيروا الناس لهدم «أبو الهول» والأهرامـــــــــات بدعوى أنها أصنام وليست آثارا، وكذلك قام المصريون بثورة في عشرينات القرن الماضي للمطالبة ببقاء آثار الملك توت عنخ أمون في مصر بعد اكتشـــــافها على يد الأثري الإنجليزي هوارد كارتر الذي كان يطالب باقتسامها مع الحكومة المصرية.

ويضيف كونو في كتــــــابه: «إن الثقافة هي شيء مرن ومهجن صنعها أشخاص لا أمم، وحين يتم وضع حدود سياسية حول الثقافة فإنها تشوه تاريخ الثقافة الذي نعرفه.».. كلام ليس بغريب على مهاجر يرفض فكرة الأوطان والحدود الجغرافية والسياسية للثقافات والحضــــارات.

إن ماضي مصر يعد من أكبر مواردها، وهو ميراثها الحقيقي، وأستطيع أن أقول إن الأثر الموجود بالمتحف إذا جاء بطريقة مشروعة وقانونية فللمتحف الحق في عرضه فقط، لكنه لا يملكه، لأن المالك الأصلي هو صاحب الحضارة التي صنعته.. أمــــــا إذا كان الأثر الموجود في المتحف قد خرج بطريقة غير مشروعة أو غير قانونية مثل «رأس نفرتيتي» فإنه من حق دولة الأثر المطالبة بإعادته فوراً.. وعندما تعود نفرتيتي إلى مصر ستعود آثار كثيرة إلى أوطانها بعد أن فارقتــــــــها نتيجة الأعمال الاستعمارية في القرنيــــــن التاسع عشر والعشرين.