التعذيب بالموسيقى

TT

لا أدري كيف يشعر القارئ الكريم حيال بعض موسيقى البوب الصاخبة وبعض هذه الأغاني السقيمة التي أصبحنا نسمعها. إنني شخصيا أشعر بقرف مرير عند سماعها، بل وأجدها تثير أعصابي وتعذبني عندما أدخل في مخزن للتبضع وأسمعهم يعزفونها بصوت عالٍ يمزق الأذن.

هذا في الواقع ما اكتشفته المخابرات الأميركية مؤخرا، وقد أصبحت المخابرات في كل مكان تواجه هذه المحنة بعد تدخل منظمات حقوق الإنسان في شغلهم. كيف يستطيعون تعذيب المعتقل دون أن يتركوا عليه أي آثار تدل على تعرضه للتعذيب؟ لقد أصبح الضرب والتعليق من السقف والكي بالكهرباء أو النار أساليب لا تستعملها غير المخابرات السورية والدول المتخلفة. ولكن المخابرات الأميركية اكتشفت مؤخرا أن بعض أنواع الموسيقى تستطيع أن تعذب المستمع إلى الحد الذي يجعله يلبي رغباتهم ويعترف لهم بأي معلومات يبغونها منه، وكل ذلك دون أن يستطيع الادعاء بتعرضه للتعذيب أو يعرض أي آثار على جسمه تثبت تعرضه لذلك.

استعملت هذا الأسلوب مع المحتجزين في معتقل غوانتانامو من الإرهابيين الإسلامويين. لم يسمع أحد بذلك لولا أن فرقة الموسيقى الإلكترونية الصناعية المعروفة بالسكني بوبي، العاملة في كندا حيث اشتهرت بموسيقاها الصاخبة والجارحة للأعصاب، ناهيك بالذوق السليم، رفعت قبل أيام دعوى في المحاكم الأميركية تطالب فيها وزارة الدفاع الأميركية المسؤولة عن إدارة هذا السجن الشهير بدفع 666000 دولار عوائد حقوق عن استعمال موسيقى هذه الفرقة في تعذيب المعتقلين في هذا السجن.

قال محامي الفرقة: لقد أرسلنا لهم فاتورة عن خدماتنا الموسيقية بالنظر لقيامهم باستعمال إنتاجها دون معرفتها كسلاح فعال في تعذيب بعض الأشخاص. وأعرب افن كي، أحد العازفين في الفرقة، عن سخطه في تصريحاته لشبكة أخبار «سي تي في» قائلا: «إنني لا أعترض فقط على استعمال مؤلفاتنا الموسيقية في إلحاق أذى ببعض الأشخاص ولكن أعترض كذلك على قيامهم بذلك دون أي إذن منا».

انكشف كل ذلك بعد أن قام أحد العاملين سابقا في ذلك السجن المشؤوم بنشر كتاب إثر استقالته من السجن احتجاجا على ما رأى. وقد وصف في كتابه أساليب الإدارة العسكرية في معاملة المعتقلين وتعرض إلى استعمالها لأنواع من الموسيقى تعذب المستمع.

اعترف افن كي، عازف الكيبورد، فقال: «نعم كنت أتوقع أن تستعمل موسيقانا لمثل هذا الغرض. فمؤلفاتنا الموسيقية على درجة كبيرة من الغرابة والاستفزاز تؤهلها لمثل هذا الاستعمال».

اتضح في ما بعد أن المخابرات الأميركية تستعمل في تعذيب المحتجزين أنواعا أخرى من الموسيقى، منها أغاني متاليكا، ومعزوفات فرقة «غضب على المكائن» وكوين امينم، وغير ذلك. يبدو أن المخابرات الأميركية لم تسمع بعد ما نسمعه يوميا من فرقنا الموسيقية والغنائية وبعض مطرباتنا ومطربينا، دون ذكر الأسماء طبعا. ولكنني أعتقد أن الكثير منها مسؤول عن اختلال الأمن واختلال العقل واختلال الإيمان في عالمنا العربي. ولا شك أنها تصلح للتعذيب في غوانتانامو.