إيران على أبواب مشكلات داخلية «لا يتمناها أوباما»

TT

في رسالته إلى الإيرانيين بمناسبة عيد رأس السنة الفارسية (النوروز)، وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه إذا استوفت إيران التزاماتها الدولية، فيمكن أن تكون هناك علاقة جيدة «بين بلدينا». أكد على سياسة الدبلوماسية التي يتبعها بالنسبة لبرنامج إيران النووي، وأثنى على حسن اختيار الشعب الإيراني للرئيس حسن روحاني، لكنه قال: «إن الصعوبات الاقتصادية التي تحملها وعانى منها كثير من الإيرانيين هي بسبب خيارات القادة الإيرانيين».

ومع اعتراف المسؤولين الإيرانيين بسوء الإدارة الاقتصادية في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، إلا أنهم اعتادوا أن يتحدوا الغرب وليس العكس؛ إذ، ومن دون الإشارة إلى رسالة أوباما، قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي يوم الخميس الماضي بمناسبة عيد النوروز، إن الشعب الإيراني يدرك أن الأميركيين غير مهذبين، ووصف أميركا بالعدو والديكتاتورية والغطرسة وسط هتاف الحضور في مدينة مشهد «الموت لأميركا».

كذلك، شنت «القناة الأولى» في التلفزيون الإيراني هجوما لاذعا على مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية الليدي كاثرين آشتون ووصفتها بـ«العجوز الشمطاء»، ووصفت بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بـ«الدمية»، والغربيين بـ«مجموعة من الحيوانات».

والآن يجري البحث في أوروبا لتشكيل ما اتفق على تسميته «وفد إيران» من أجل «استئناف الحوار السياسي».

الرئيس أوباما على استعداد لأن يذهب حتى النهاية في سياسته الإيرانية، وكل أمله ألا ترتكب إيران أية حماقة. لكن كل هذه «اللهفة» الأميركية والأوروبية تجاه إيران لا تستطيع أن تخفي أو أن تغطي الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد، والذي يهدد بمشكلات داخلية، وهذا ما لا يتمناه الرئيس أوباما، لأن عليه حينذاك اتخاذ موقف ولو شفهي: هل يدعم الشعب الإيراني أم يستمر في مهادنة المرشد الأعلى؟

ركز خامنئي في خطاب «النوروز» بمدينة مشهد على الاقتصاد والثقافة، محذرا حكومة روحاني من أي مبادرات على طريق الانفتاح.

قبل أسبوعين، وجه روحاني كلمة «حماسية» دافع فيها عن حرية الصحافة، على الرغم من إغلاق صحف إصلاحية. لم يشر هو أو خامنئي أو الرئيس أوباما أو الغرب إلى أن عمليات الإعدام في إيران ارتفعت بشكل كبير منذ وصول روحاني إلى السلطة (الطريقة المفضلة الإعدام بواسطة الرافعات على مرأى من الناس).

يوم الخميس الماضي وضع المرشد الأعلى حاجزا في وجه أفكار روحاني، حيث قال: «الحرية المطلقة غير موجودة في أي مكان من العالم (...) لدى الدول خطوط حمراء، كيف يحق لها انتقاد إيران وتتوقع منا أن نهمل خطوطنا الحمراء».

بسبب قلقه حول قضايا الثقافة ومواقف الحكومة، كان خامنئي أشار في كلمة ألقاها أمام مجلس الخبراء قبل أسبوعين إلى أن الثقافة أكثر أهمية من الاقتصاد. أما ممثله لدى القوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» عبد النبي صداقات، فقال: «المسؤولية الأكثر حساسية على (الحرس الثوري) تتعلق بالعقيدة والثقافة والقيم الروحية». ونقل عن آية الله كاظم صديقي خطيب صلاة الجمعة في طهران قوله: «أولئك الذين يريدون سحق الثقافة الوطنية هم جهلة ومرتزقة للأجانب».

لكن من ناحية أخرى، ومما يدل على ازدواجية السياسة المتبعة في إيران، فقد علق مجلس الإشراف على الصحافة صدور صحيفة «9 داي» التي يملكها النائب حميد رسائي الناقد الرئيسي لسياسة روحاني، بعدما نددت الصحيفة بالصفقة النووية المؤقتة، ووصفت روحاني بـ«الكاذب». وترتبط الصحيفة بآية الله مصباح يزدي الذي يقود حملة المتشددين ضد روحاني.

كرر المرشد الأعلى في كلمته الدعوة لاعتماد «اقتصاد المقاومة» من أجل التغلب على الصعوبات والعقوبات الغربية، وقال: «ينبغي ألا ننتظر رفع العقوبات، إنما العمل على بناء اقتصاد أقوى للحد من (عوامل الضعف)».

لكن بعد ستة أشهر من تولي روحاني ووعوده، فإن الآمال بانتعاش اقتصادي سريع تتلاشى بين الإيرانيين على كل الأصعدة؛ من العاديين والمستثمرين وأصحاب الأعمال، ويقول الاقتصاديون إن العملة الصعبة في صناديق الحكومة على وشك النفاد. لذلك لم يبق أمام روحاني إلا اللجوء إلى عصر النفقات. إن تخفيضات هائلة لنظام الدعم السخي ستؤدي إلى اضطرابات شعبية كبيرة في البلاد في الأسابيع والأشهر المقبلة. الغرب يعتقد أن الاضطرابات المحتملة قد تدفع الملالي في إيران إلى الإسراع في حل المشكلة النووية مع الغرب، ليتسنى لهم التركيز على تحسين الفرص الاقتصادية أمام المواطنين «المطحونين». (التلويح بهذه الفرص المغرية أشارت إليها رسالة أوباما الأخيرة إلى الإيرانيين).

الأعباء الاقتصادية زادت أثقالها مباشرة بعد دعوة خامنئي إلى «اقتصاد المقاومة»؛ إذ في اليوم التالي لاحتفالات عيد النوروز قفزت الأسعار وبشكل حاد في جميع أنحاء إيران. لقد بدأ رفع الدعم الحكومي يفعل فعله، وخلال أسابيع قليلة سوف تتضاعف أسعار البنزين ثلاث مرات، وأسعار الكهرباء بنسبة 25 في المائة وأسعار المياه بنسبة 20 في المائة، أما أسعار الطحين فقد تضاعفت مرتين.

هذا ليس كل شيء؛ إذ من المتوقع أن تبدأ الحكومة قريبا تجربة اختبار سيتعرض لها 90 في المائة من الإيرانيين يتلقون شيكات الرعاية الشهرية من الدولة. وتعتقد الحكومة أن هناك الملايين الذين لا يحتاجون إلى مبلغ 18 دولارا، مما يكلف الدولة ما مجموعه 50 مليار دولار سنويا ويغذي التضخم الذي وصل إلى 37 في المائة.

يقضم الدعم 25 في المائة من ميزانية الدولة البالغة 400 مليار دولار، وصار من المستحيل الإبقاء عليه، خصوصا أن العقوبات الغربية تجعل من الصعب على الحكومة تصدير نفطها كما اعتادت. وكانت صادرات النفط الإيراني انخفضت إلى النصف (مليون برميل يوميا) وكلف ذلك إيران العام الماضي مبلغ 100 مليار دولار من العملة الصعبة.

ليس واضحا ماذا سيكون رد فعل الإيرانيين على الزيادات الجديدة للأسعار بعد سنوات من البؤس الاقتصادي الداخلي، خصوصا في العامين الأخيرين. في شهر أغسطس (آب) الماضي ذكر تقرير للبنك المركزي الإيراني أن 32 في المائة ينشطون اقتصاديا، وهذا رقم منخفض للغاية، وتقول الحكومة في بياناتها الرسمية إن نسبة البطالة تصل إلى 15 في المائة، لكنها في الحقيقة تتجاوز 30 في المائة.

آية الله خامنئي حذر من أن «نسيان الفقراء صفة غير إسلامية»، وفسر المحللون هذه العبارة، بأن «الوضع قد يتسبب لنا في بعض المشكلات». استجاب روحاني للتحذير بأن وزع الشهر الماضي ولفترة وجيزة الغذاء مجانا على بعض الفقراء.

مما لا شك فيه أن الغرب استخدم الاضطراب الاقتصادي وسيلة ضغط في مفاوضاته مع إيران. في رسالته ذكّر أوباما الرئيس روحاني كيف أنه تعهد أثناء حملته الانتخابية بتعزيز الاقتصاد الإيراني، وتحسين حياة الشعب الإيراني، والانخراط بشكل بناء مع المجتمع الدولي، وقال للشعب الإيراني: «إن انتخابه جرى بدعمكم القوي»!

يعرف روحاني أنه داخل حلقة مغلقة، وأن الالتزام بالشروط الغربية بالنسبة لبرنامج إيران النووي يؤدي إلى حلحلة اقتصادية داخل إيران، وهناك من قال إن إيران بعد رفع العقوبات ستكون مثل تركيا إنما مع نفط.

وهو يعرف أيضا، أن الغرب يعرف أن السلطة ليست بين يديه، بل بين يدي المرشد الأعلى. والمرشد يعتقد أن «اقتصاد المقاومة» ينقذ الوضع، وفي الواقع إنها كلمات عاجزة عن تخفيف معاناة الفقراء.

الرئيس روحاني يعتقد أن زيارة آشتون إلى طهران تعد نجاحا دبلوماسيا ويأمل في بعثة دبلوماسية رسمية للاتحاد الأوروبي، ويريد تسويق صورة إيران منفتحة في الغرب، فقد يساعده ترحيب الإيرانيين بمثل هذه الإجراءات على المتشددين.

برنامج المرشد الأعلى مختلف تماما: هو يريد من الغرب رفع العقوبات من دون المقابل المطلوب، وأيضا إنقاذ النظام السوري، وأيضا.. وأيضا الإبقاء على خط دفاعه الأول، أي حزب الله، قويا في لبنان وسوريا، وكل هذه الرغبات تكلف المليارات من الدولارات، أما الشعب الإيراني، فيمكنه أن يصبر لأن اهتماما جديدا سيدخل على خط الاهتمامات، وهو: ماذا إذا طلبت روسيا من إيران موقفا إلى جانبها في صراعها الجديد مع الغرب بسبب أوكرانيا؟

السؤال: هل سيصبر الشعب الإيراني عند ذلك أو بعد ذلك؟