أميركا فقط.. «قلقة»

TT

واشنطن قلقة.. وعندما تقلق واشنطن غالبا ما يكون مصدر قلقها أحد تقارير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).

في لقاء مع لجنة من الكونغرس الأميركي، قرع مدير الـ«سي آي إيه»، جون برينان، ناقوس الخطر من استغلال «القاعدة» النزاع السوري لتطوير قدراتها العسكرية، وتحديدا لوضع مخطط منهجي طويل الأمد يهدف إلى تشكيل خلايا إرهابية في سوريا، مهمتها اجتذاب «متطوعين» من الدول الغربية، وتدريبهم على تنفيذ عمليات إرهابية «خارج سوريا».

تأكيدا لهذه المعلومات، ذكرت وكالة الـ«سي آي إيه» أن نحو 1200 مسلم أميركي وأوروبي يقاتلون الآن في صفوف فصائل إسلامية متطرفة في سوريا، وأبدت تخوفها من أن يعزز انغماسهم في الحرب الأهلية في سوريا مشاعر التطرف، إلى حد تجنيدهم لشن هجمات إرهابية في بلادهم، بعد عودتهم إليها.

لا مجال لمناقشة صحة معلومات وكالة الاستخبارات الأميركية، التي نشرت مقتطفات منها صحيفة «نيويورك تايمز»، ولا حتى مدى دقتها، إلا أن ما نقله تقريرها من تحليل لبعض «المسؤولين الأميركيين» (لم تكشف الصحيفة عن أسمائهم أو مواقعهم) لأسباب «انتعاش» مخططات «القاعدة»، يفتح الباب واسعا للتساؤل، لا عن الدوافع السياسية لما يسميه الإعلام الأميركي بـ«الإرهاب الإسلامي» فحسب، بل أيضا عمن أوصل «القاعدة» إلى وضع يخولها تهديد أمن الدولة الأعظم في العالم.

استنادا إلى هؤلاء «المسؤولين الأميركيين» عادت مخططات «القاعدة» إلى دائرة الخطر المباشر على الولايات المتحدة، على خلفية تطورين بارزين:

* الأول يعود إلى «سهولة» وصول جماعة «القاعدة» إلى الأراضي العراقية، وتغلغلها داخل شبكة الخلايا التي أقامتها في العراق.

* وثانيهما مرده ما أظهرته الإدارة الأميركية من «تلكؤ» في تنفيذ ضربات عسكرية على أهداف سورية محددة، أكان ذلك بواسطة طائرات موجهة بلا طيار (درون)، أو غيرها من الوسائل العسكرية.

حبذا لو استرسل «المسؤولون الأميركيون» في تحليل خلفية التطورين اللذين يعتبرونهما مواتيين لمخططات «القاعدة»، ليشمل أيضا دواعي «قلق» العرب من دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية، فقد يجدون أن من حوّل العراق إلى ساحة مستباحة لـ«القاعدة» هو الاحتلال الأميركي المتسرع له، والإدارة الفاشلة لهذا الاحتلال الذي ارتأى «تسريح» الجيش العراقي، متجاهلا كونه العمود الفقري لأمن العراق واستقراره.

وكأن القرارات الأمنية الخاطئة لم تكن كافية، ولإغراق العراق في أتون حرب مذهبية سافرة، ليشفعها الاحتلال بمقاربة سياسية خلّفت نظاما ديمقراطيا هشا، جعل الكثير من العراقيين يترحمون على ديكتاتورية صدام حسين.

أما على صعيد الموقف من سوريا، فمن اللافت أن يعترف «مسؤولون أميركيون» بأن ما بدأ انتفاضة شعبية سلمية تطالب بالحريات الفردية والسياسية للسوريين، تحوّل، بسبب «التلكؤ» الأميركي في دعمها، وربما «بفضله»، إلى حرب أهلية وفّرت تربة خصبة لترعرع «القاعدة» والعديد من التنظيمات المتشددة؛ فبعد أن أحجمت واشنطن عن تزويد مقاتلي «الجيش السوري الحر» بأسلحة نوعية تتيح له مواجهة سلاح النظام الجوي، جاء «تلكؤها» (كي لا نقول تراجعها) عن تنفيذ وعيدها بضرب أهداف عسكرية سورية ردا على قصف النظام السوري غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي، ليفوّت عليها فرصة ترجيح كفة تيارات المعارضة المعتدلة واللاطائفية، وفي مقدمتها الجيش السوري الحر، على الفصائل الإسلامية المتشددة، وليعطي ادعاء المتشددين الإسلاميين بأنه لا خير يُرجى من الأميركيين مصداقية تطيح بما تبقى من أثر إيجابي لخطاب الرئيس باراك أوباما في القاهرة، عام 2009.

آنذاك، دعا الرئيس أوباما إلى «بداية جديدة» مع العالم الإسلامي، وتعهد بالعمل «في إطار الشراكة مع المجتمعات الإسلامية التي يحدق بها الخطر»، على «عزل المتطرفين، مع عدم التسامح معهم داخل المجتمعات الإسلامية».

على هذا الصعيد، حقق الرئيس أوباما نجاحات تُذكر، ليس أقلها تصفية رأس «طالبان»، أسامة بن لادن. ولكن، بعد خمس سنوات على خطاب القاهرة، لم يعد السؤال المطروح في العالم العربي ماذا فعلت الإدارة الأميركية للإسلام المتطرف؟ بل، ماذا تفعل اليوم لدول «الإسلام المعتدل» (حسب توصيف واشنطن نفسها) لتعزيز صمودها بوجه التيارات المتطرفة؟