أفغانستان تحتاج لدعم القوى الإقليمية والدولية

TT

عقد المتحدث الرسمي باسم اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان مؤتمرا صحافيا مساء يوم الثلاثاء الماضي، أعلن فيه أن اللجنة أجلت إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية إلى يوم السبت، الموافق السادس والعشرين من أبريل (نيسان)، بسبب عدم انتهاء عمليات الفرز.

وكان الأفغان قد أذهلوا العالم بنسبة مشاركتهم الكبيرة خلال عملية التصويت، لكن ثلاثة أسابيع مرت حتى الآن من دون إعلان النتائج. ورغم أن ادعاءات حدوث عمليات تزوير تبدو هامشية، لكنها في نهاية الأمر وفرت أعذارا للجنة الانتخابات لطلب المزيد من الوقت لإنجاز عملية فرز الأصوات ببطء شديد بسبب الأجواء السياسية المتوترة للغاية.

وللمرة الأولى في تاريخ هذه البلاد، من المفترض أن يتسلم الرئيس الجديد المنتخب بطريقة ديمقراطية مقاليد الحكم من رئيس سابق إذا ما جرت الأمور بسلاسة من دون حدوث ما يعكر صفو العرس الديمقراطي.

ويرجع السبب الرئيس وراء توتر الأجواء في البلاد إلى أن السياسيين الأفغان وقادة الفصائل العرقية المختلفة لم يعتادوا على الديمقراطية واحترام خيارات الشعب. ومرة أخرى بعد 12 عاما وفي غياب التدخلات الأميركية، انبرى أمراء الحرب لخوض معركتهم الأخيرة تحت شعار: الآن وإلا فلا! وهناك مفاوضات جادة ومكثفة تجري حاليا بين المرشحين الأوفر حظا: دكتور عبد الله عبد الله وأشرف غاني، لكن الأضواء تنصب جميعها على دكتور عبد الله. ويقف الرئيس السابق حامد كرزاي في الوقت الحالي بجانب أحد المرشحين، وعلى الجانب الآخر، يريد زعماء الجماعات العرقية المختلفة ذوو النفوذ الحصول على تطمينات بشأن أنصبتهم في السلطة قبل أن تضح نتائج الانتخابات النهائية.

وحسب مصدر موثوق كان حاضرا هناك، فقد التقى جميع القادة الأفغان المعروفين، في ظهيرة يوم الثلاثاء الماضي، في القصر الرئاسي في كابول ليتداولوا فيما بينهم في حضور الرئيس كرزاي.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة أن دكتور عبد الله عبد الله يتقدم بفارق كبير عن منافسه الرئيس دكتور أشرف غاني، لكن لجنة الانتخابات المستقلة تتلاعب بهذا الرقم بسبب مكانة أشرف غاني ومساعده القومي: عبد الرشيد دوستم، وهو زعيم أوزبكي نافذ.

ويبدو واضحا أن هذا المنعرج الخطير في تاريخ أفغانستان لن يمر بسلام، إلا إذا استجاب دكتور عبد الله للشروط التي يفرضها زعماء الفصائل العرقية، وإلا فسوف تشهد أفغانستان جولة إعادة.

في المقام الأول، سيكون من الصعب لجماعة البشتون المتطرفة، والتي ترتبط بعلاقات بحركة طالبان، أن تسمح لمرشح ليبرالي، كان عضوا سابقا في التحالف الشمالي، أن يصبح رئيس أفغانستان المقبل. فقد دق عبد الله، الذي يعتبر من أشد المناوئين لحركة طالبان، ناقوس الخطر وأعلن عن تأييده لقيام باكستان المقاتلين، الذين يؤيدهم، بقتال حركة طالبان داخل أفغانستان.

ويحاول قادة الفصائل العرقية وكرزاي ومناصروه الدفع باتجاه تكرار ما حدث في عام 2002 عندما جرى تشكيل حكومة انتقالية وحصل كل زعيم على مقعده في تلك الحكومة. غير أن التحول الجذري الذي حدث لا يناصروه الكثيرون، وهذا هو السبب وراء تأجيل إعلان النتيجة.

ومنذ منتصف الأسبوع الماضي، بدأ سفراء الغرب في كابول التعبير عن مخاوفهم من حدوث انقسام في الصف الوطني الأفغاني أو اشتعال مواجهة طائفية. حتى هذه اللحظة، لم تتدخل إدارة الرئيس أوباما بسبب التوتر الشديد الذي حدث بين الرئيس أوباما والرئيس حامد كرزاي، وبقيت الولايات المتحدة بعيدة عن عواقب ونتائج الانتخابات الرئاسية في أفغانستان. غير أنه يبدو من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأخرى، التي أنفقت مليارات الدولارات لمحاربة الإرهاب وترويج الديمقراطية في أفغانستان، أن ترى كل تلك الجهود تنهار أمامها اليوم بسبب سوء إدارة كرزاي.

كما التزم لاعبون إقليميون آخرون، مثل إيران التي تحتفظ بنفوذ كبير في أفغانستان، الصمت إزاء قضية الانتخابات الأفغانية. ويعتبر دكتور عبد الله عبد الله ليبراليا إلى أبعد الحدود، كما أنه يتطلع إلى التعاون مع نظام إيران السياسي المحافظ في الوقت ذاته. وكان عبد الله صرح بأنه سيوقع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة في حال فوزه بانتخابات الرئاسية، وهي نقطة سلبية ضد عبد الله من وجهة النظر الإيرانية. غير أن كلا من الولايات المتحدة وإيران فضلتا النأي بأنفسهما عن الانتخابات الأفغانية. فإيران لم تجد مرشحا مناسبا تدعمه. أما الولايات المتحدة، فلم ترد التدخل على الإطلاق. غير أنه يبدو أن القادة الأفغان المؤثرين يسعون لطرق أبواب الدولتين لطلب المساعدة.

لقد وصلت أفغانستان الآن إلى المرحلة التي تحتاج فيها إلى وسيط يمد يد المساعدة، ويحاول عقد صفقة بين الأطراف المختلفة. الأكيد، أنه يمكن لإيران والولايات المتحدة، اللتين تتمتعان بنفوذ كبير في ذلك البلد، دعم عبد الله حتى تجعل الآخرين يدركون أي مرشح ينبغي الوقوف بجانبه. كان هناك اجتماع بين الولايات المتحدة وإيران في في مؤتمر بون 2001. وخلال هذا الاجتماع، استطاعت الدولتان إحلال السلام بين جميع الخصوم، وقد شكل ذلك بداية مرحلة تاريخية جديدة في تلك البقعة من العالم.

يحتاج الرئيس الأفغاني الجديد الدعم من جميع القوى الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار له، وتمكينه من حكم أفغانستان. يوم السبت المقبل، سنعرف إن كان الوسطاء قد تدخلوا، ويجري إعلان الرئيس الجديد، أم أنهم لم يتدخلوا، وعليه تشهد أفغانستان جولة إعادة.