طريق الرئاسة في نظام الأسد

TT

تفتح حملة تجديد رئاسة بشار الأسد في سوريا ملف الطريق إلى منصب الرئاسة في نظام الأسد، وقد سار عليه النظام منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970، وعمل على تقويته باستمرار بما يضمن له النجاح في كل مرة في تجديد اغتصاب السلطة، وصولا إلى تحويلها إلى سلطة وراثية بعد موته عام 2000، حيث بدا من الطبيعي أن يتولى بشار الأسد رئاسة الجمهورية وسط إجراءات شكلانية ومتوافق عليها داخل النظام، بل إن أكثر مفاصل النظام كانت متحمسة لهذا الإجراء، وكثيرا من السوريين لم يكونوا ممانعين له على قاعدة الخروج بأقل الخسائر في عملية انتقال السلطة.

والطريق إلى الرئاسة في نظام الأسد كان يبدأ من إحكام القبضة على الجيش والأمن، وهذا ما فعله حافظ الأسد في الصراع مع رفاقه في نظام «البعث» (1966 - 1970) عبر سيطرته على وزارة الدفاع التي كان يتولاها، والتي مدّ من خلال وجوده فيها أذرعته الأخطبوطية إلى الأجهزة الأمنية، التي كانت تتبع جهات أخرى خارج وزارته، وفي طريقه اشترى مجموعة رفاق من المرتبكين والمنبوذين وذوي الغايات الخاصة والهامشيين، ليكونوا إطارا سياسيا لسلطته المقبلة، فشكل منهم «القيادة القطرية المؤقتة» التي كانت من الناحية الشكلية غطاء انقلاب الأسد على رفاقه في قيادة «البعث».

وخلال فترة انتقالية مدتها أشهر، تولى فيها رئاسة الوزراء مع وزارة الدفاع، أعاد حافظ الأسد ترتيب السلطة مجددا وفق احتياجات سيطرته المطلقة على الدولة والمجتمع، فأصدر دستورا مؤقتا يعطيه صلاحيات كاملة، ثم عين مجلسا للشعب، وانتخب قيادة قطرية وقومية لحزب البعث، وأعاد ترتيب ولاء المنظمات الشعبية، ورتب علاقات السلطة مع الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية بتوزيع رشاوى لضمان ولائها له، تمهيدا لانتخابه في رئاسة الجمهورية في مارس (آذار) من عام 1971، مولدا نظاما رئاسيا يكون فيه المسؤول الأول والأخير دون أن يستطيع أحد محاسبته أو مساءلته، وهو ما كرسه عمليا في الدستور الدائم عام 1973، وبذلك أرسى أسس تجديد منصب الرئاسة على أساس الاستفتاء على منصب هو المرشح الوحيد فيه.

ووفق تلك الصيغة جدد الأسد لنفسه في رئاسة النظام لأربع رئاسات تالية ومتوالية، كان في كل واحدة منها يخرج بأغلبية أصوات السوريين في واحد من ثلاثة مسارات، أولها أصوات المؤيدين، ثم أصوات اللامبالين، ثم الأصوات التي تقوم أجهزة الحزب والمخابرات بإضافتها تحت السيطرة الكاملة للسلطة ووسط جو من الإرهاب والتخويف، مما يرفع نسب المستفتين إلى نحو مائة في المائة وسط حالة عامة من الديماغوجية المقنعة بالشعارات الفارغة.

وبدا من الطبيعي أن يرث بشار الابن - كما ورث أشياء أخرى - طريقة الوصول إلى الرئاسة، لكنه احتاج إلى خطوات، لم يكن قد أتمها عندما مات أبوه، لتجعله يركب سكة الرئاسة، ولعل الأبرز فيها كان أمرين لم يستغرقا الكثير من الوقت ولا الجهد، أولهما ترفيعه إلى رتبة فريق ليكون بإمكانه تولي منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، والثاني إجراء تعديل دستوري يبدل سن الرئيس إلى ما هي عليه سن بشار الأسد، وتم الأمران من دون معوقات تذكر، بسبب السيطرة التي كان الأسد الأب قد فرضها على النظام، وتركها ضمنا في يد وريثه المرتقب. وهكذا جاء بشار الأسد إلى منصب رئاسة الجمهورية لأول مرة في عام 2000، عبر استفتاء عام يماثل الاستفتاءات السابقة التي كان والده اعتاد عليها في الوصول إلى الرئاسة.

وإذا كان بشار الأسد جدد لنفسه رئاسة الجمهورية في عام 2007، وفق تلك الصيغة شبه التقليدية، فإنه عاجز عن تكرار ذلك في الظروف الراهنة، التي تشهد فيها سوريا ثورة عارمة، تقابل بعنف وإرهاب غير مسبوقين من نظام الأسد كلفا السوريين وسوريا فاتورة بشرية ومادية من الصعب تقدير نتائجها القريبة والبعيدة، وهذا ما يجعل النظام ورئيسه يسعيان إلى خطوات وترتيبات، تجعل من الممكن تمرير «الاستحقاق الرئاسي» وانتخاب الأسد رئيسا لفترة جديدة.

إن بين الخطوات والترتيبات الجديدة تغييرا شكليا، بين خطواته نقل عملية التجديد من استفتاء إلى انتخابات بإشراك مرشحين آخرين من المؤكد أنهم لا وزن ولا حظ لهم في الفوز، في ظل نظام محكوم بالقبضة الأمنية العسكرية، كما أن بين الإجراءات استبعاد ملايين السوريين الذين غادروا أو لجأوا إلى بلدان أخرى هربا من القتل والإرهاب، كما أن الواقع يستبعد مشاركة ملايين آخرين في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام من المشاركة في الانتخابات، مما يعني أن أكثر من نصف سكان سوريا، لن يشاركوا في الانتخابات.

غير أن الأهم مما سبق في موضوع الانتخابات الرئاسية هو أن النظام ورأس النظام فقدا الشرعية السياسية والأخلاقية نتيجة سياسات القتل والتدمير والتهجير التي ارتكبت ضد الشعب، وبالتالي فإن مؤسسات النظام من القيادة القطرية إلى مجلس الشعب والحكومة، لا تملك شرعية تجعلها في مكانة الموافقة على مرشحين وتنظيم انتخابات رئاسية، كما أن بشار الأسد مسؤول مباشر عن تلك السياسات، ينبغي أن يحال إلى المحاكمة، لا أن تتم الموافقة على ترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية.

إن الانفصال عن الواقع، والإصرار على المضي في طريق الدم والدمار، وحدهما، يجعلان من انتخابات الرئاسة في سوريا، ومن ترشيح بشار لهذا المنصب مهزلة، يجري فيها استعادة طريق انتهى في الوصول إلى الرئاسة في سوريا.