أبوظبي وحفلة للعقل

TT

ليس أفضل من رؤية عمل بهيج يبعث على الفرح، هذه الأيام التي عزّ فيها الفرح وشح بها السرور. في عاصمة الإمارات، أبوظبي، حضرت بالأمس حفلة جائزة الشيخ زايد للكتاب، وكانت قاعة الحفلة بجوار ردهات معرض أبوظبي للكتاب. وكانت حفلة احتفائية بالكتاب والعلم والنشر، درة هذه الحفلة وذروتها تكريم خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصية العام، وقام ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتسليم الجائزة لنجل الملك عبد الله بن عبد العزيز الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني السعودي.

في خطبة عريف الحفل، الأمين العام للجائزة علي بن تميم، بلغ التأثر غايته حينما وصل في خطبته للحديث عن الملك عبد الله، ودوره الكبير في الملمات التي دهمت العرب في هذه السنين الدهياء. كما في دوره المؤثر والدائم في قيادة الاستقرار والانفتاح وصناعتهما في السعودية.

لم يكن هذا هو الحضور السعودي الوحيد في موسم جائزة زايد التاسع، فقد كان فوز الدكتور سعد العبد الله الصويان بجائزة عن كتابه الثري «ملحمة التطور البشري» (الصادر عن دار مدارك)، وهو كتاب يعبر عن قدرات بحثية رفيعة وجادة للدكتور الصويان، خاصة وهو يرتاد مناطق وعرة وجريئة، ومن تصفح هذا الكتاب الثقيل يعرف تماما المراد من هذه الكلمات.. لقد كان فوز الصويان بكتابه الملحمي هذا «ملحمة التطور البشري» إشارة ممتعة على أكثر من صعيد، منها الفرح الشخصي للدكتور سعد طبعا، ومنها الفرح بالاحتفاء بالإنتاج الجاد في زمن الإنتاج الخنفشاري الغزير، ومنها تشييد علاقات التعارف بين شعوب الخليج من بوابة بهية المظهر حسنة النقش، غير بوابة السياسة والرياضة، وهي بوابة الثقافة والعلم والبحث الرصين.

دعم الإنتاج العلمي الرصين، ونشر الثقافة الجادة وترويجها، ودعم الفنون الرفيعة في الموسيقى والرسم، هي مهمة تقع في المقام الأول على عاتق الحكومات أو البلاطات الأميرية والملكية، هكذا كان يجري الأمر في أوروبا العصور الماضية، ملكيا وكنسيا، ومؤسسات الدولة حاليا، وأيضا كان يجري الأمر بصورة مقاربة في الإمارات والدول الإسلامية الغابرة.

يصبح الأمر أكثر إلحاحا مع تهشم الثقافة الجادة لصالح الثرثرات والصراخ والإنتاج السريع في كل مجال، وأظن أن جهد إمارة أبوظبي في هذا المقام مما لا يمكن التغافل عنه أو تجاهله، ولدينا مشاريع مثل دار كلمة وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث وجائزة زايد، وغيرها من الجهات الممثلة للدولة، تقف شاهدة على متانة هذا الدعم وأثره. يصبح الأمر أكثر إبهاجا لنا في هذه المنطقة المنكوبة من العالم بالتطرف والفوضى، على نحو خاص. على هذه الأرض ما يستحق الحياة حقا..