انتخاب الأسد ونموذج جزائر التسعينات

TT

وسط أجواء سياسية دولية وإقليمية معقدة، يصعب فيها التكهن بأي تحولات فعلية في المواقف في المدى المنظور، يستعد النظام السوري وحلفاؤه الدوليون والإقليميون إلى فرض أمر واقع سياسي في سوريا، عبر إعادة انتخاب الأسد لسبع سنوات جديدة، بعد أن ساعدوه على الصمود سياسيا اقتصاديا وعسكريا طوال فترة الأزمة، وتمكنوا من نقل وضع نظامه الميداني والسياسي أمام قوات المعارضة، من مرحلة الدفاع والتراجع إلى الهجوم والتقدم، مستغلين من جهة تخلي المجتمع الدولي عن الدعم الجدي للمعارضة السورية التي تمر بأصعب مراحلها، ومن جهة ثانية استعادة مقاتلي حزب الله والمجموعات المسلحة والعراقية، وبإشراف الخبراء العسكريين الإيرانيين، لمواقع عسكرية استراتيجية مهمة، كان قد خسرها جيش الأسد في ريف دمشق ومنطقة القلمون ومناطق أخرى حيوية داخل سوريا.

في هذه المرحلة يصبح ترشح الأسد لولاية جديدة استكمالا لفرض الأمر الواقع، في سيناريو قريب من أحداث الجزائر في تسعينات القرن الماضي، خصوصا بعدما وصل اليمين زروال إلى سدة الرئاسة، حيث قام الجيش الجزائري بحملة عسكرية شاملة على الجماعات الإرهابية المسلحة، ونجح في إخراجها من المدن الكبرى وحماية الجزائر العاصمة من دون تدميرها، وتأمين مرافق الدولة وإعادة السيطرة على أغلب التراب الجزائري، وتمكن من طرد المسلحين الإسلاميين إلى المناطق النائية والأرياف أولا، ومن ثم إلى الجبال، ونجح في تأليب الجزائريين في الأقاليم البعيدة على هذه الجماعات، وتحويلهم إلى بيئة نابذة، بعدما قام المسلحون بتصرفات خطيرة، من قتل مدنيين، ورجال شرطة، واغتصاب للنساء، وترويع للسكان.

يطمح الأسد إلى سيناريو جزائري، يمكنه من الحفاظ على دمشق العاصمة وربطها بحمص المدمرة ثم مناطق الساحل، وذلك عبر إعادة السيطرة على منطقة القلمون، والتقدم في مناطق حساسة في محيط العاصمة وريفها، مما يجعل إعادة تقدم المعارضة باتجاهها أمرا صعبا جدا، وبالإضافة إلى تعمد ترك الأرياف بيد المعارضة المشتتة، على أمل أن تتسبب الفوضى الأمنية بين فصائلها في هذه المناطق، إضافة إلى تغلغل الجماعات الإسلامية المتطرفة خاصة كما يجري في مدينة الرقة، في وقوعها تحت سيطرة «داعش»، وإضعاف الحاضنة الشعبية لها، ودفع المواطنين إلى ترجيح خيار الأسد على خيار «القاعدة» والفوضى، كما يروج النظام.

ولكن ما غاب عن بال دعاة هذا السيناريو أن الجيش الجزائري كان المؤسسة الأكثر تماسكا وانسجاما في أزمة التسعينات، وهو يملك دورتي إنتاج اقتصادي واجتماعي كاملتين، مكنتاه تاريخيا من الاحتفاظ بدور رعائي منذ الاستقلال، وهو الجيش العربي الثاني بعد المصري الذي يتمتع بحاضنة اجتماعية يفوق تأثيرها تأثير الأحزاب السياسية.

أما في سوريا فقد تعرض الجيش إلى حالات انشقاق كبيرة، أدت إلى تدمير هيكليته وتسرب العدد الكبير من جنوده وضباطه وكبار جنرالاته، ولم يتبقَ إلا أقلية متماسكة لأسباب خاصة، مما دفع الأسد إلى الاستعانة بمقاتلين من الخارج، من أجل التعويض عن حالة الضعف العسكري والميداني خاصة، الذي اضطر بسببه النظام إلى تشكيل مجموعات من القتلة (قوات الدفاع الوطني والشبيحة)، وفي المحصلة أصبح ما تبقى من الجيش السوري في نظر المعارضة الشعبية السورية وأغلب المواطنين أداة استخدمها الأسد في قتل السوريين وتدمير سوريا، وكأنه جيش تنحصر مهمته في الدفاع عن النظام ورأسه، بالتجويع والتدمير الشامل، وليس عن الشعب، بعكس ما كان بإمكان الجيش الجزائري أن يدعيه، لأنه اقتصر في معاركه على المسلحين.

أما ما ارتكبته بعض القوى التي ادعت المعارضة بالتنسيق مع النظام ولصالحه من الجرائم فقد يكون أقل من الجرائم التي ارتكبتها الجماعات المسلحة في الجزائر ضد المدنيين، غير أن الشعب السوري يختلف عن الشعب الجزائري، في أنه يرى أن ارتكابات النظام وحلفائه تفوق ارتكابات بعض المعارضة السورية، وهذا ما سيشكل عائقا شعبيا قويا ضد حكم بشار الأسد، حتى لو نجح بأكثرية 99.99 في المائة من المقترعين والممتنعين كما عودونا.