ظاهرة «الرجل القوي»

TT

كلما طالعتني صورة أدونيس، ظننته خارجا من معركة دامية بين «داعش» و«النصرة». هذا المثقف بحاجة إلى التهام طنجرة من الإسباناخ (السبانخ) المقوّي، ليواصل دفاعه المستميت عن ترئيس «رجل القوة» بشار سبع سنوات أخرى.

أدونيس يؤمن بأن أطفال حوران هم الذين قلعوا أظافر مدير مخابرات درعا عندما اعتقلهم عنده. وليس العكس.

لن أكف عن مناشدة، سيداتي. سادتي، مديري البرامج في المحطات التلفزيونية، تمديد عرض الإعلانات التجارية، بدلا من الحوارات الثقافية. منذ نهايات القرن التاسع عشر، وأنا معجب بإعلان يظهر فيه كلب «مؤدب»، وهو يصغي بخشوع إلى صوت «رجل قوة» صادر من بوق «صندوق سمع» أمامه.

في القرن الحادي والعشرين، أتابع بشغف انتفاضة المرأة العربية التي ألغت حقوق الرجل وتاء التأنيث الرقيقة. يعجبني إعلان تلفزيوني عن معجزة الإسباناخ: فتاة تطوي على ذراعها رجلا على شكل خرقة بالية. تطعمه في طنجرة الإسباناخ. فينقلب أمامنا «رجل قوة» مستعدا ليحكم سورية مرة ثالثة. ولا أدري ماذا سوف يحدث لهذا البلد المعذب، إذا مدد بشار الولاية الثالثة إلى رابعة.

هل نوري المالكي رجل من إسباناخ؟! هل هو رجل قوة؟ المالكي تتمة حتمية لـ«الرجل القوي» الذي حكم النظام الرئاسي العربي، منذ أن أرساه عبد الناصر والشيشكلي في الخمسينات، إلى أن «شرشحه» بشار في افتتاحية القرن الجديد. ودمر معه أسس التعايش السلمي في المجتمع العربي.

ماذا أعني بـ «الرجل القوي»؟ إنه الرئيس المدني، أو العسكري الذي استخدم الطائفة. أو العشيرة. أو القوة العسكرية، لتوسيع المؤسسة الرئاسية، على حساب أية إمكانية، لتأسيس وإرساء مؤسسة رئاسية عربية محددة السلطات والصلاحيات بدستور حر. وقوانين ديمقراطية. ومؤسسات مستقلة تشريعية. وقضائية وإعلامية.

ماذا نجم عن ظاهرة الرجل القوي. أو الرئيس القوي؟ تم تقييد الحرية. وتزييف الديمقراطية. فألغيت السياسة. والحوار النيابي (البرلماني). غاب ساسة الأحزاب الليبرالية في عهد عبد الناصر. لم يظهر زعيم شعبي أو مستقل، على مدى 48 سنة من حكم الأسد الأب والابن.

النظام الرئاسي الديني لم يكن بحال أفضل. أعدم الخميني ولاحق زعماء الجناح المدني في نظامه. شنق زعماء الحزب الشيوعي المعتقلين في سجونه. ذُبح بسكين المطبخ رئيس الحكومة الذي سلم الخميني إيران الشاهنشاهية.

في السودان، حبس نظام الإسلام العسكري مرشده وفقيهه الديني حسن الترابي. وأدى «الجهاد» لمحاربة الجنوب إلى تقسيم السودان. «العسكري القوي» متهم الآن أمام العدالة الدولية بترك دارفور نهبا للمجازر القبلية. في مصر، يرفض محمد مرسي أن تطبق عليه الإجراءات التي حاول فرضها وتطبيقها على المعارضة عندما كان رئيسا.

في سوريا، تنهمك «داعش» بتأسيس دولة «الخلافة» الدينية، فيما ينهمك نظام بشار بتجديد رئاسته على السوريين الباقين على قيد الحياة الذين لم يقصفهم، بعد، ببراميل بوتين المتفجرة. طالب بوتين الأسد بالتنحي. الدليل أن «الرجل القوي» رد بأنه ليس ياكونوفيتش رئيس أوكرانيا الذي فر من كييف تحت ضغط المعارضة.

ما قاله بشار لبوتين، يقوله لإيران التي تعتقد أن من حقها تنصيب رئيس على سورية، طالما أنها تقاتل هناك بمرتزقة «حزب الله» وميليشيات الشيعة العراقية، بقيادة ضباط إيرانيين. انتهزت إيران المفلسة موسم الانتخابات العراقية، فاستدعت المالكي إلى طهران. وطالبته بتمويل حربها في سوريا، من موارد النفط العراقي.

حتى أحمد الجلبي «زلمة» إيران الذي شارك يهود البنتاغون بإقناع الرئيس بوش بغزو العراق، وإسقاط صدام، حتى الجلبي هذا استأذن إيران، لإعلان تضامنه مع أميركا أوباما في تخليها عن المالكي. جو بايدن نائب أوباما الممسك بالملف العراقي، يعتقد أن أميركا غزت العراق لإقامة ديمقراطية حقيقية فيه، فإذا بها تجده في حضن إيران. روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي المستقيل قال في مذكراته إن «جو» رجل آدمي. ونزيه. ومستقيم، لكنه فشل تماما في العراق.

فتحت إدارة أوباما ملف المالكي أمام الصحافة. تبيّن أن حزبه (الدعوة) ما زال مدرجا على اللائحة الأميركية السوداء (للإرهاب)، على الرغم من دعمها له، في حكم العراق منذ عام 2006! بل كشفت النقاب عن كون المالكي المكلف ببناء ديمقراطية في العراق، مديرا لأجهزة الحزب المخابراتية التي قامت بعمليات تخريب واغتيال في العراق. طارق عزيز الذي يرقد مريضا في معتقلات المالكي، يرفض تناول الإسباناخ. يخشى أن تتحسن صحته، فيعلن المالكي شفاءه. وينفذ فيه حكما بالإعدام.

حتى في لبنان، يجري البحث عن «الرئيس القوي» الذي يخلف «الرئيس الحكيم» ميشال سليمان الذي يرفض تجديد أو تمديد رئاسته. ترشح «الرجل القوي» سمير جعجع. فطار خصمه ميشال عون إلى الفاتيكان. يتوسط عون البابا فرنسيس لدى بطريرك الموارنة ليبارك ترشيحه رئيسا ضد جعجع. يتعهد عون أمام أميركا أوباما بأن يكون رئيسا «ديمقراطيا». فقد ضمن تأييد حسن نصر الله. وبشار. وخامنئي. وروحاني.

بإلغاء الحرية والسياسة، باتت المؤسسة الرئاسية مهددة للأمن القومي. ورط «الرجل القوي» صدام العراق، في حرب مجنونة مع إيران. ثم نقض بغزوه الكويت تعهده العلني (1980) بعدم غزو أي بلد عربي.

في سوريا، منح الأسد الأب روسيا بريجينيف ترخيصا بإقامة قاعدة عسكرية للأسطول الروسي في طرطوس (1972)، من دون علم السوريين. الأسد الابن يمنح روسيا بوتين ترخيصا، باستغلال النفط والغاز قبالة الساحل السوري، في مقابل الديون الباهظة المترتبة عن شراء براميل بوتين المتفجرة التي تفتك بالسوريين وتدمر مدنهم وقراهم.

ما الحل؟ كيف يمكن استعادة المشرق العربي من نظام «الرجل القوي» نظام القمع في الداخل والعنف والإرهاب والاغتيال في الخارج. كيف يمكن تجريد المؤسسة الرئاسية المطلقة من حلفها مع مؤسسة التعذيب والقتل المخابراتية؟

بصراحة لو لقيت الانتفاضة السورية دعما أميركيا/ أوروبيا حقيقيا منذ البداية، لما وصلت الأمور الى هذه النهاية البائسة. أميركا أوباما لا هي تتدخل ولا هي سمحت للعرب بتسليح الانتفاضة. نعم اميركا مسؤولة. لأنها ساهمت في تشكيل وصياغة جمهوريات «الرجل القوي» منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الحل في الاسباناخ. قل لي ماذا يأكل «الرجل القوي» في اميركا، أقل لك من هو.

أثار بوش الاول غضب الفلاحين الأميركيين عندما أعلن ان زوجته لا تطبخ زهرة «البروكولي» السمراء. غافل بوش الثاني أباه وأمه. تناول طبخة اسباناخ فغزا العراق. أوباما رئيس قادم من هونولولو. هو أقرب الى أسماك الشرق الاقصى منه الى طنجرة الاسباناخ في الشرق الاوسط.

حكمت هيلاري أميركا والعالم عندما كان زوجها بيل جالسا في البيت الأبيض.

لو انتخبت أميركا هيلاري بدلا من باراك حسين أوباما ربما تدخلت على الارجح في سوريا. هل تأكل هيلاري الاسباناخ؟ لن نعرف قبل ان تخوض معركة الرئاسة في عام 2016.

هاج البحر فغضب كسرى. أمر بجلد شط العرب مائة جلدة. تجلد إيران نفسها وتجلد العرب بتدخلها اللامنطقي واللامعقول في الشرق العربي. امنعوا خامنئي. وروحاني . و«الرجل القوي» في سوريا قاسم سليماني من إدمان الاسباناخ.