جنة الله على الأرض!

TT

أسمع منذ زمن ليس بالقليل تعبير «هذه جنة الله على الأرض»، وقد ارتبط هذا التعبير عموما بوصف بلاد حباها الله الخالق عز وجل بجمال الطبيعة بشكل غير عادي واستثنائي. ولكن حقيقة الأمر أن المعنى المقصود والأهم هو تحقيق عملي لمفهوم العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وهذه مسائل ليست بالشيء السهل تحقيقه أو إنجازه، ولكنه هدف سعى الإنسان لأجله منذ بداية التاريخ نفسه.

واليوم هناك مشاهد وأمثلة لدول مهمة تحاول تحقيق هذا المفهوم بنجاحات متفاوتة وتبدو الأخبار الآتية منها بدرجة عالية جدا من «الاستفزازية» للمتلقي، لأنها في حقيقة الأمر لا تبدو أنها آتية من بلد آخر بقدر ما تبدو وكأنها قادمة من كوكب آخر.

ففي خبر تناقلته كثير من وسائل الإعلام المختلفة أن السويد قامت مؤخرا باستيراد كم كبير من النفايات من دول أخرى، وذلك لإعادة تدويرها في مصانعها، بسبب عدم وجود نفايات كافية لديها للقيام بذلك. وكذلك قامت النرويج بإغلاق عدد من السجون لديها، لأن لديها سجونا أكبر من حاجتها ولم يعد لديها مجرمون بالقدر الكافي لملء هذه السجون.

الدول الإسكندنافية مثل السويد والدنمارك والنرويج وآيسلندا تعودت على استحداث منظومة من الحياة المرفهة المؤسسة على نظام محمي محترم، ونظام تعليمي متقدم ومنافس، ومنظومة عدلية وقضائية فعالة وسريعة ونافذة وسوية. هذه هي الأسس التي بنيت عليها تلك الدول لتقدم تركيبة أساسية تحمي بها حقوق المواطنين فيها. ومن الممكن إضافة كل من سويسرا وكندا لتلك الدول أيضا لأنهما يتبعان النهج نفسه وينشدان الأهداف نفسها، وإن كانت النتائج مختلفة ومتفاوتة.

ها هي النرويج تواصل إبهار العالم مجددا بتطويرها للصندوق الاستثماري السيادي، وهو الأكبر من نوعه في العالم، فهي تقوم باستثمار عوائدها القياسية من مداخيلها من النفط عبر منهجية استثمارية دقيقة تغير من فترة لأخرى من أسلوب إدارة الصندوق وتدعو كبرى المؤسسات المالية المحترمة والمعتبرة صاحبة الخبرة المهمة للمساعدة على المشورة والإدارة بحسب الأهداف التي وضعتها النرويج نفسها، والتي تركز على تحقيق العيش الكريم للمواطن النرويجي في السنوات القادمة، هكذا بكل وضوح وبساطة.

وهذه الدول أثبتت نهجا مهما في استيراد العقول والمواهب البشرية من حول العالم فاتحة جامعاتها وشركاتها وأنظمة الهجرة لديها للإتيان بخبرة العقول من كل بقاع الأرض، والاستفادة بالتالي منها في كافة مجالات الاقتصاد والاستثمار والصناعة والتجارة والزراعة في بلادها.

هذه الدول تمكنت من تحقيق توازن دقيق ومهم وغير مسبوق بين الاشتراكية المسؤولة التي تتيح دورا عقلانيا ومسؤولا للدولة من دون القضاء عليه. وفي الوقت ذاته تؤسس لمناخ حر ومنفتح لسوق رأسمالي بامتياز تتيح لرأس المال التحرك بلا قيود ولا شروط تعجيزية، ليكون مناخا مرحِّبا وجاذبا.

كل هذه الأمثلة المهمة تؤكد أن فكرة «جنة الله على الأرض»، أو «شانغريلا» كما يسميها البوذيون، هي في واقع الأمر نظريا ممكنة متى ما توفرت المعطيات والشروط الأساسية لذلك. فهذه الدول حققت ذلك وسط منافسات وتحديات سياسية واقتصادية وحروب هددتها وزلزلتها، ولكنها تمكنت من تخطي كل ذلك لأن الهدف كان ساميا وأدوات التنفيذ لهذا الهدف كانت فاعلة مؤثرة ونافذة وفي غاية الدقة.

الأخبار الآتية من هذه الدول باعثة للأمل لتؤكد لنا أن المستحيل من الممكن تحقيقه متى ما توفرت النية والإدارة والإرادة لذلك.