الدولة الفلسطينية آتية شاء نتنياهو أم أبى!

TT

ذكرت الأنباء أن مارتن إنديك مبعوث وزير الخارجية الأميركي لعملية السلام ينوي الاستقالة من منصبه. جاء هذا بعدما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تفاصيل فشل المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية على لسان ناطق أميركي شارك فيها تبين أنه إنديك نفسه، حيث وضع اللوم كله تقريبا على بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. وحسب مصدر أميركي مطلع، اكتشف الأميركيون أن نتنياهو غير صادق وغير جدي وأنه يلعب على الجميع.

من أجل دفع نتنياهو إلى إطلاق آخر دفعة من السجناء الفلسطينيين، اقترح جون كيري وزير الخارجية على الرئيس باراك أوباما لإنقاذ المفاوضات الموافقة على إطلاق الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، وكان نتنياهو طلب تكليف دينيس روس القيام بدور (كقناة خلفية) بينه وبين الأميركيين، ذلك لأن روس مقرب منه، وعندما كان جورج ميتشل يدير المفاوضات كان روس في عداد طاقمه، وكان يدعم نتنياهو بكل مواقفه. ثم إن نتنياهو لا يثق بإنديك، وكان روس مستعدا لهذا الدور. الإدارة الأميركية وافقت على طلب نتنياهو، وقد يكون هذا ما أثار حفيظة إنديك، فكان أن وضع النقاط على الحروف في لقائه مع الصحافي ناحوم بارنيا.

ويرى المصدر الأميركي المطلع أنه كان على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية أن ينتظر حتى 28 أبريل (نيسان) موعد انتهاء المفاوضات ليقدم على الخطوات التي أقدم عليها، مثل اتفاقه مع 15 منظمة تابعة للأمم المتحدة، الذي، حسب المصدر، كان تصرفا عبثيا. كما كان عليه الانتظار إلى ما بعد 28 أبريل ليعلن عن اتفاق المصالحة بين السلطة وحماس. «لماذا لم ينتظر أسبوعا آخر؟ عندها كان يمكنه أن يضع نتنياهو في زاوية الإحراج الدولي، وما كان سمح للإسرائيليين بالادعاء أن رئيس وزرائهم كان سيطلق سراح السجناء الفلسطينيين ويوقف توسيع المستوطنات». في السادس من شهر مايو (أيار) 2011 كان أوباما يخطط لإلقاء خطاب يحدد وجهات نظره بشأن السلام. في الرابع من مايو أعلنت حماس ومحمود عباس أنهما سيتصالحان، فأدى هذا بأوباما إلى تأجيل إلقاء خطابه، وبعد ذلك استقال جورج ميتشل.

لكن هذا لا يلغي أن أوباما وكيري لا يثقان بنتنياهو. حاولا إرضاءه ببولارد وروس. أيضا لم يكن نتنياهو جديا، اعتمد تكتيكات لإثارة ردود فعل فلسطينية سلبية. وحسب المصدر كان المخطط أن يتم إطلاق سراح بولارد، وفي المقابل يطلق نتنياهو سراح السجناء الفلسطينيين، وتستمر المفاوضات حتى نهاية عام 2015 على أمل التوصل إلى اتفاق.

في الحديث إلى «يديعوت أحرونوت» يقول الناطق الأميركي (أي إنديك): «من وجهة نظر الأميركيين، قضية المستوطنات تتحمل اللوم الكبير. باستخدام برامج متقدمة، رسم الأميركيون مخططا لحدود الضفة الغربية تعطي إسرائيل السيادة على نحو 80 في المائة من المستوطنين الذين يعيشون هناك، ويتم إجلاء النسبة المتبقية. في القدس تستند المقترحات على خطة كلينتون: الأحياء اليهودية لإسرائيل والأحياء العربية للفلسطينيين».

وحسب محدثي، كان نتنياهو يريد وجودا إسرائيليا طويل الأمد في وادي الأردن، الإدارة رفضت ذلك، ولم يكن يريد إعطاء الفلسطينيين أي شيء يطلبونه في القدس.

الآن قرر أوباما التوقف، وإعادة دراسة الموقف وانتظار انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ومن ثم قد يعود إلى طرح الاقتراحات الأميركية المعروفة منذ مفاوضات ميتشل، أي دولة فلسطينية تساوي مساحتها مساحتي الضفة وغزة حسب حدود 1967. سيحصل تبادل في الأراضي ويفكك الإسرائيليون بعض المستوطنات. أما في وادي الأردن فتنتشر بعد خمس سنوات قوات أميركية وأطلسية. أرسلت واشنطن عسكريين أميركيين لدراسة الموقف والوضع وإيجاد طرق للمحافظة على أمن إسرائيل وأمن الأردن، لكن نتنياهو لم يكن مستعدا لتقبل أن وقتا لا بد أن يأتي وعليه بالتالي الانسحاب من وادي الأردن لتنتشر هناك قوات دولية.

لا يثق الفلسطينيون بأن إسرائيل ترغب في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وبناء المستوطنات مثل واضح على ذلك. في «يديعوت أحرونوت» جاء: «نحو النهاية طالب عباس بتجميد بناء المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر، على افتراض أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق تستطيع إسرائيل أن تبني على الحدود الجديدة كما تشاء. لكن الإسرائيليين رفضوا. وأسوأ جزء في المفاوضات كان عندما ادعى نتنياهو أن عباس وافق على صفقة السجناء مقابل بناء المستوطنات، وهذا لا يتماشى إطلاقا مع الحقيقة». وتضيف الصحيفة حسب الناطق الأميركي (إنديك): «إن عباس وافق على دولة منزوعة السلاح وعلى الخطوط العريضة للحدود، ووافق على أن تبقى الأحياء اليهودية في (القدس الشرقية) تحت السيادة الإسرائيلية، ووعد بألا يتم إغراق إسرائيل باللاجئين. ثم قال: لن أقدم على المزيد من التنازلات حتى توافق إسرائيل على الشروط الثلاثة التالية: تحديد الحدود والاتفاق عليها بغضون ثلاثة أشهر، يتم خلالها وضع جدول زمني لإجلاء الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية، وأن توافق إسرائيل على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين».

الآن لن يجري أي تحرك موضوعي على جبهة المفاوضات، قد تستمر الاتصالات البعيدة عن الأضواء، لكن من المستبعد أن يوافق أوباما على أن يتفرغ كيري مجددا لهذه المسألة مع وجود مشاكل أخرى مثل إيران وأوكرانيا وأفريقيا.

في «يديعوت أحرونوت» تتكرر الإشارة إلى دور لباسل عقل، والمحور السري ما بينه وبين إسحق مولخو محامي نتنياهو وقريبه. حسب محدثي فإن عقل كان يتصرف بطلب من عباس، لمعرفة إمكانية عقد صفقة مع مولخو من خلف ظهر صائب عريقات، وهذا تكرار لم حدث قبل اتفاق أوسلو، عندما كان فيصل الحسيني وحنان عشراوي يفاوضان الإسرائيليين علنا، وكان عباس وأحمد قريع وحسن عصفور يتحدثون سرا مع الإسرائيليين، بمعرفة ياسر عرفات. لكن هذه المرة، أراد الإسرائيليون عبر ملوخو تقويض المحادثات مع الفلسطينيين، خصوصا أنه في المفاوضات الرسمية، كلما كانت تسيبي ليفني تحاول التقدم إلى الأمام كان ملوخو يوقفها. ويضيف أن فريق نتنياهو يكره ليفني لاعتقاده أن واشنطن تؤيد وصولها إلى رئاسة الحكومة بعد نتنياهو.

التفكير الآن في واشنطن هو الانتظار إلى ما بعد الانتخابات «كي يشعر الطرفان أننا لن نجري وراءهما إلا إذا كانا على استعداد للسلام». لكن في الوقت نفسه، فإن الوضع السياسي لأوباما ليس قويا جدا، يقولون «إنه خارج فقاعة الأكسيجين». يواجه مصاعب على كل الجبهات خاصة أوكرانيا، و«الأمل» أن ينجح في التوصل إلى اتفاق مع إيران، رغم أن هناك في واشنطن من يقول إن الإيرانيين مثل نتنياهو يلعبون على الأعصاب وعلى الوقت. لكن المتابعين للموضوع في واشنطن يكررون أنهم يتحدثون فقط حول اتفاق نووي وبعد ذلك «يمكن الحديث عن قضايا أخرى». في المقابل هناك من يقول أيضا إن أمورا كثيرة قد تعرقل التوصل إلى اتفاق، كإقدام إيران على عمل استفزازي في الخليج، لكن الخبراء مصرون على أنه من المحتمل جدا التوصل إلى اتفاق، «والسؤال هو: هل يكون ذلك قبل الانتخابات أم بعدها»؟

لكن ماذا سيحل بالفلسطينيين؟ يقول محدثي المصدر الأميركي: إنهم مفلسون وأوضاعهم سيئة. قد تتفق السلطة وحماس ويشكلان حكومة من التكنوقراط، إنما لا شيء ذا موضوعية قد يحدث على مسار المفاوضات.

ما يستطيع الفلسطينيون القيام به الإعلان أن لديهم حكومة واحدة لا حكومتين، ويقبلون بتعهدات منظمة التحرير الفلسطينية من جهة الاعتراف بإسرائيل.

لكن هل ينفذ الفلسطينيون ما اتفقوا عليه؟ يمكن لحماس القول إنها كحركة ليست مضطرة للاعتراف بأحد، لكن على الحكومة أن تعترف بإسرائيل.

تبقى مشكلة الأموال، الوضع اقتصاديا سيئ، ويقولون في واشنطن إذا ما ضاعفت إسرائيل من الحصار الاقتصادي على الفلسطينيين، وتدهور الوضع أكثر فقد يؤدي هذا إلى انتفاضة تضعف عباس، لذلك يقوم التفكير هناك على إيجاد طرق لإبقاء بعض المساعدات خصوصا إذا كان الوزراء من التكنوقراط غير المرتبطين بحماس.

هناك قناعة في واشنطن بأن نتنياهو ليس جادا، لا، بل يتلاعب، خصوصا أن مسألة بولارد صعبة جدا، فهو رجل باع أخطر أسرار الدولة إلى الأعداء، وعندما اقترح بيل كلينتون هذه الفكرة، هدد جورج تينيت، الرئيس السابق لوكالة الـ«سي آي إيه»، بالاستقالة.

الوضع معقد. المفاوضات فشلت. لن يحدث شيء من الآن حتى شهر ديسمبر (كانون الأول). في الحديث إلى «يديعوت أحرونوت» يقول مصدر الصحيفة الأميركي: في النهاية سيحصلون على دولتهم، سواء من خلال العنف، أو عبر اللجوء إلى المنظمات الدولية (...).