الجامعات الإسلامية والإرهاب!

TT

ثمة فرضيات في العقلية العربية والغربية، عند تحليلهما، لتنامي فكر التشدد والإرهاب بعد انتكاسات الثورات العربية، فمرة يتهمون جماعات الإسلام السياسي، وتارة السلفية بكل مدارسها، وأحيانا يرشقون الإسلام كله بأنه هو السبب، ومرة يوجهون أصابع الاتهام إلى مناهج التعليم خاصة المناهج الدينية، وفي أحيان أخرى يضعون البطالة في أوساط الشباب العربي. فقد أشار عدد من المصادر الغربية إلى أن أحد المناخات التي يعشش فيها التطرف ويفرخ فيها الإرهاب هو بين الألوف من الخريجين الذين تدفع بهم أرحام «الجامعات الإسلامية»، ويذهبون إلى سوق الوظائف ليجدوا أبوابها موصدة، فيتلقفهم سماسرة «الإرهاب» مثل «القاعدة» و«داعش» ومن سار في فلكهما، يوجهونهم إلى البؤر الساخنة في سوريا والعراق وليبيا، أو حتى في الدول المستقرة كمحاولة «داعش» الأخيرة البائسة والفاشلة لخلخلة الاستقرار السعودي باغتيال شخصيات قيادية حكومية!

وهذا في ظني تحليل تعوزه الدقة. صحيح أن دول المنطقة تعاني من إشكالية خطيرة في توظيف «بعض» خريجيها في أغلب التخصصات المختلفة (من كل الجامعات وليس خريجي الجامعات الإسلامية فقط)، وصحيح أيضا أن البطالة مصدر كل شرّ وليس شرّ التطرف والإرهاب فحسب، لكن الخلل في هذه النظرة، بل الخطورة فيها هو في «حصر» مناخ التطرف والإرهاب في محيط الجامعات الإسلامية!

لنتجاوز مرحلة التنظير ووضع الفرضيات ودعونا ننزل إلى أرض الواقع ولنترك الحقائق تتكلم! فهذا أسامة بن لادن، الذي كان يتصدر قائمة الإرهاب الأميركية، والذي جيّشت أميركا له - وطبعا لغيره - جيوشها الجرارة وحركت له أساطيلها ورصدت لقطف رأسه ملايين الدولارات.. قد ترعرع في كنف عائلة تعتبر إحدى الإمبراطوريات المالية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه لم يتخرج في جامعة إسلامية ولا مدرسة دينية، بل تخصص في مجال الإدارة العامة، وهذا رفيق دربه أيمن الظواهري - أحد أخطر الجهاديين في العالم وعقلهم المدبر والمطلوب رقم 2 - هو الآخر ينتسب إلى عائلة أرستقراطية باشوية وتخرج - حسب قراءتي عنه – في كلية متخصصة في العلوم البحتة! وأظن أن معظم أتباع الجماعات والحركات الذين وضعتهم أميركا على قائمتها الإرهابية، أو وضعتهم دول عربية مثل السعودية على قائمة مطلوبيها، لا تنطبق عليهم الفرضية الغربية! ولقد وددت لو أن أحدا قام ببحث ميداني فتقصى - أكاديميا - أحوال المنتمين إلى تنظيمات «داعش» و«القاعدة» في سوريا والعراق وعدد من التنظيمات الجهادية الأخرى في العالم كله، للوقوف على طبيعة خلفياتهم التعليمية والاجتماعية للتحقق من مصداقية الفرضية الغربية.

ليست ثمة علاقة أكيدة بين المؤسسات الأكاديمية الإسلامية وتبني الفكر الجهادي القائم على التغيير بالقوة، كما أنه ليست ثمة علاقة مطردة بين الجامعات العلمية البحتة والتبشير بالفكر الليبرالي، فقد تخرج في الأخيرة أمثال بن لادن والظواهري، وتخرج في الأولى - الأزهر - أبرز دعاة الطرح الليبرالي من أمثال طه حسين ورفاعة الطهطاوي.