مصر: لسعة شوربة ونفخ زبادي

TT

المثل المصري الشعبي يقول: «اللي تلسعه الشوربة ينفخ في الزبادي». لكن يبدو أن لسعة الشوربة، حتى ولو كانت مسمومة، قد طابت للبعض على مذاق الزبادي المنعش!

قبل ترحيل أو رحيل نظام حسني مبارك في مصر كان مثقفون ومراكز رصد ودراسات مثل د. سعد الدين إبراهيم ومركزه ابن خلدون، يناصرون مباشرة جماعة الإخوان للعمل السياسي وحتى للحكم، وأن التخويف من الإخوان ليس إلا «بعبعا» يثير به النظام ذعر الناس العاديين، ومعهم الغرب وحماة الحقوق المدنية. ومثل د. إبراهيم ومركزه الخلدوني، كان الكثير من مثقفي اليسار المصري والتيار القومي وعلى رأسهم الناصريون، يمضون بنفس الاتجاه الكيدي هذا، كان ذلك يبهج الإخوان فيلبسون مسوح الضأن على أجساد الذئاب، ويمتزجون مع كل طرف في كأسه، كما قال الشاعر:

يدور مع الزجاجة حيث دارت ويلبس للحوادث ألف لبس

سقط نظام مبارك بقوة الشباب المدني «الطاهر» ومعه القوى الوطنية الثورية، وبذلك تبرهن أن ما كان نظام مبارك يخوف به من قبل ضد الإخوان ليس إلا أكذوبة، لم تستمر هذه البهجة الاستثنائية والحفلة الصاخبة كثيرا، إذ سرعان ما خلع الذئاب مسوح الضأن، وتبين الليل من النهار، وبدأ تذمر الشباب المدني الطاهر، ومعهم القوى الوطنية الثورية من «أخونة» الدولة، ومن غدر الإخوان، ومن شره الإخوان للسلطة، ومن ظهور أجندة لم تكن تقال لهم.. فواعجبا هل تريدون من جماعة ترى في نفسها «أستاذية العالم» وخلافة الأرض، أن تبوح لكم بأسرارها وأنتم لستم، بنظرها الحقيقي، إلا من مخلفات العلمانية والقومية والوطنية والدعوات «الجاهلية»؟!

استنجد، نفس الذين كانوا يقولون بالأمس إن مبارك كان يرفع فزاعة الإخوان، بالجيش ليزيح الإخوان من المشهد، بعدما «طنشهم» الإخوان ولم يعتبروا بكل نواحهم. فجأة صار الجيش هو الحل، وبالفعل لم يكن من حل لولا تدخل مؤسسة الجيش بنفوذها وقوتها ورصيدها الشعبي، وبقية القصة تعرفونها؛ مرسي ومرشده بديع وقائده خيرت الشاطر في السجن، والمشير السياسي في طريقه نحو كرسي الرئاسة عبر انتخابات لو نسخ كارتر نفسه مليون نسخة فلن يشكك بنزاهتها لأن الناس المصريين العاديين حقا يريدون رجل الجيش والأمن والعلاقات الممتازة مع الخليج.

عادت نفس الأسطوانة من جديد، حكم العسكر وما حكم العسكر، عودة الإخوان للحياة السياسية، بخفر، فزاعة الإخوان، بعبع الإخوان، فوبيا الإخوان... وكأن لسعة الشوربة المسمومة بالأمس بردت حرقتها وكيّتها على اللسان واللهاة؟!

ليست هذه الشيمة الانفعالية السريعة النسيان خاصة بالذاكرة المصرية السياسية والإعلامية بل هل سمة في المجتمعات العربية تقريبا، كل شيء سريع الاشتعال.. سريع الترّمد. لا شيء يصمد ليقام عليه وعي متين وذاكرة اتعاظية.

تذكر كيف تهب مجتمعاتنا في زمننا هذا كل عشر سنوات تقريبا لتنخرط بموجة تزمت وإرهاب أصولي، وكأن ذاكرتنا نسجت من هواء.

مما يقال: إن ما يميز الإنسان عما سواه هو التذكر والاعتبار.. مما يقال.