أفغانستان: انتخابات الإعادة وتدخلات أباطرة المخدرات

TT

أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية لعام 2014 يوم الخميس، داعية إلى إجراء جولة إعادة بين المرشحين الحاصلين على أعلى نسبة تصويت وهما الدكتور عبد الله عبد الله وأشرف غني أحمدزي. ومن المقرر أن تعقد جولة الإعادة بعد شهر من إعلان النتيجة في 14 يونيو (حزيران) لاختيار من يكون الرئيس المقبل لأفغانستان.

وفي تصريحات للسيد نورستاني رئيس اللجنة قال: «أطلب مجددا من شعب أفغانستان الوطني الشجاع أن يقوم بما قام به من قبل، عندما أدلى الملايين بأصواتهم، وأن يذهبوا مرة أخرى ويدلوا بأصواتهم».

أن «يذهبوا مرة أخرى ويدلوا بأصواتهم» هو مصدر القلق الأساسي وخاصة في منطقة مضطربة، ناهيك عما إذا كان الحماس الشعبي سيكون كما كان في مارس (آذار) عندما شارك أكثر من 7 ملايين أفغاني في الانتخابات.

الباعث الثاني على القلق بخلاف المسألة الأمنية هو مخاوف حدوث تزوير جماعي، وخاصة في المناطق الجنوبية. من بين ثمانية مرشحين خاضوا الجولة الانتخابية في شهر مارس، حصل ثلاثة من أقوى المرشحين على أصوات هذه المناطق. ومن المثير للاهتمام أن معظم الأصوات التي حصل عليها الدكتور عبد الله جاءت من المناطق التي يسودها البشتون رغم أن أصوله نصف بشتونية ونصف طاجيكية. في المقابل، حصل أشرف غني على معظم الأصوات من الأوزبك والطائفة الإسماعيلية بفضل نفوذ زعيم الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم. ورغم أن أصول أشرف غني ترجع بالكامل إلى قبيلة البشتون، فإنه حصل على أقل من نصف مليون صوت من هذه المنطقة الجنوبية المضطربة، التي تعتبر أيضا معقلا لمافيا المخدرات.

تلقى أشرف غني تعليمه في الخارج وعمل في السابق في البنك الدولي كما شغل منصب وزير المالية، وكثيرا ما يثير شكوكا تتعلق باختياره لدوستم في منصب نائب الرئيس – بسبب ما يتردد عنه من تورط في جرائم.

بغض النظر عن الانتماءات العرقية والطائفية، تواجه حملة أشرف غني ومؤيديه الذين يصعب إرضاؤهم معوقات تتمثل في تأييد أكثر الأشخاص إثارة للجدل وأسوأهم سمعة من المتورطين في تجارة المخدرات أو انتهاكات حقوق الإنسان.

تؤدي المخاوف من عودة زعماء تجارة المخدرات والمجرمين إلى السلطة إلى قيام تحالفات تاريخية بين المرشحين الرئاسيين ضد أشرف غني. خرج كل من عبد رب الرسول سياف الإسلامي المتشدد، والدكتور زلماي رسول الذي يتحدر من عائلة ملكية قندهارية بارزة، وجول أغا شيرازي الحاكم السابق لقندهار، جميعا ليؤيدوا الدكتور عبد الله لإظهار أن كبار زعماء البشتون يقفون ضد غني.

في المعسكر المقابل، يؤيد أشرف غني الحاج الظاهر قدير من إقليم ننجرهار وعمه دين محمد حاكم ننجرهار. والظاهر قدير من أشهر وأقوى زعماء تجارة المخدرات في أفغانستان كلها، وقد ألقي القبض عليه في عام 2008 عندما كان ينقل أكثر من 1000 كيلوغرام من الهيروين مع سائقه.

كان مسؤولو الأمن قد ألقوا القبض على خمسة من رجال شرطة الحدود في كتيبة الحدود الثامنة في إقليم تخار الشمالي عام 2008، بعد أن ثبت أن هؤلاء الخمسة كانوا يحملون 1.235 كيلوغرام من الهيروين في سيارة شرطة، وأضيف أن قدير كان قائدا لهذه الكتيبة في ذلك الوقت. وأعلن القضاء بأن الهيروين أخذ من منزل قدير لتوريده إلى قاعدة الشرطة الحدودية في تخار.

وأوردت صحيفة «بوسطن غلوب» الأميركية في عام 2009 أن الرئيس حميد كرزاي أصدر عفوا عن الظاهر قدير قبل الانتخابات، وبعد إعادة انتخابه في عام 2009، أمر بالإفراج عن خمسة من مهربي المخدرات. وذكرت الصحيفة أن من بين الرجال المطلق سراحهم ابن شقيق آخر للحاج دين محمد.

كان دين محمد أحد داعمي حملة كرزاي أثناء الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009. وهو الآن يدعم أشرف غني في الانتخابات الحالية.

علاوة على ذلك يؤيد زعيم الطائفة الإسماعيلية الشيعية في أفغانستان منصور نادري المرشح أشرف غني، وهو شريك تجاري لشقيق وزير المالية في مناجم الذهب في منطقة الطائفة الإسماعيلية.

جدير بالذكر أن شقيق وزير المالية استدعي مرارا للحضور أمام البرلمان بسبب التهرب الضريبي وارتكاب تجاوزات في استيراد السجائر في أفغانستان واستجوبه أعضاء البرلمان. وما زالت ملفات جميع هؤلاء الأشخاص مفتوحة أمام السلطة القضائية، وتخضع قضاياهم للتحقيقات، وفي ظل حكومة قوية تحارب الفساد، قد يتعرض جميعهم للتوقيف والسجن.

على جانب آخر لا تتعلق مخاوف حملة عبد الله بخسارة جولة الإعادة أو أن تلعب النزعة الطائفية دورا، بل يثير قلقهم وضيقهم طول المدة التي تفصل بين إعلان النتيجة النهائية وإجراء جولة الإعادة، مما يمنح وقتا لممارسات التزوير بالإضافة إلى إمكانية إثارة التوترات العرقية. يمكن أن تمثل عصابات المخدرات التي تعمل عن قرب مع طالبان تهديدا حقيقيا لجولة الإعادة بتهديد يوم الانتخابات إذا شعرت بعدم الأمان في ظل الحكومة المقبلة إذا لم تقدم عفوا عمن كان يحمل ما يزيد على 1000 كيلوغرام من الهيروين!