حرام.. بوكو حرام!

TT

تفكك أوكرانيا واختطاف حركة بوكو - حرام للتلميذات في نيجيريا، حدثان احتلا صدارة الأخبار في الصحافة ووسائل الإعلام، خلال الأيام الأخيرة. ففي أوكرانيا فصل جديد من الحرب الباردة بين الغرب الأميركي الأوروبي، والشرق الروسي. أما في عملية اختطاف الفتيات في نيجيريا وانتفاض الرأي العام العالمي على الخاطفين فإنها صفحة سوداء - حمراء جديدة تضاف إلى سجل ما يسمى اليوم بالحرب على الإرهاب، أو بالأحرى الصراع بين التطرف الرجعي الإسلاموي، والحداثة الليبرالية الديمقراطية.

ما يحدث في أوكرانيا، رغم خطورته، لن يتطور إلى حرب ساخنة بين أوكرانيا وروسيا وتدخل عسكري أوروبي - أميركي يحسمها أو يفاقمها. ولكنه يشكل امتحانا جديدا للعلاقات بين المحور الأوروبي - الأميركي والمحور الروسي - الصيني، التي نشأت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والتي لم تخلُ من الضبابية وغموض النوايا والأهداف وبعض الاصطدامات من حين لآخر. وإذا كان الرئيس الروسي بوتين فتح صفحة صدام مع الغرب الأوروبي - الأميركي، فقد يكون عذره أن هذا المحور الغربي لم يكف منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عن مد ذراعه إلى شرق أوروبا والاقتراب دفاعيا واقتصاديا من الدول والشعوب التي تقع جنوب شرقي روسيا والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي حتى الأمس القريب، وهو ما تعتبره روسيا تهديدا مباشرا لها. ومن الواضح أن بوتين لن يكف عن اتباع سياسة التصدي للغرب الأميركي - الأوروبي قبل أن يصل إلى «يالطا» جديدة أو على الأقل إلى توقف الغربيين عن قضم أطراف روسيا والاقتراب بنفوذهم الاقتصادي وحضورهم العسكري من حدود بلاده. إلا أنه لن يذهب إلى حد الاصطدام العسكري بالغرب، وكذلك الغربيون غير مستعدين لإشعال حرب غربية - روسية لإنقاذ أوكرانيا من التقسيم والتفكك.

أما بالنسبة لحادثة اختطاف الفتيات في نيجيريا من قبل «بوكو حرام»، والتي تحولت إلى حدث دولي الأصداء، فرغم ضآلة حجمها مقارنة بالحدث الأوكراني، فإنها تشكل عنوانا جديدا في سجل العلاقات بين العالم العربي والإسلامي، والغرب بل والعالم بأسره. كما تشكل صفحة جديدة في الصراع الديني والفكري والسياسي الدائر حاليا في قلب العالمين العربي والإسلامي، بين التيار الإسلاموي السياسي الرجعي، والتيار الليبرالي الديمقراطي الحداثي. وهو صراع خرج عن الجدل الفكري وتحول إلى مأساة دموية في سوريا ومصر واليمن والعراق وليبيا.

قد لا يكون النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي هو النظام الأمثل أو الأفضل لحكم الشعوب العربية والإسلامية، أو النظام الذي لا تتوفر في الجماهير والقبائل العربية والإسلامية شروط حسن تطبيقه أو تسييره. كما أن الحكم السلطوي، عسكريا كان أو حزبيا أحاديا - كما اختبرنا في الخمسين سنة الأخيرة - مرشح للجنوح إلى الديكتاتورية وبالتالي إلى حرمان المواطنين من حريتهم وكرامتهم. ولكن أيا كانت سيئات أو انحرافات هذا النظام أو ذاك، فإن ما يبشر به حكم كحكم طالبان أو ممارسات بوكو حرام والجماعات التكفيرية المماثلة، كـ«القاعدة» و«داعش» وغيرهما، من شأنه أن يقود العالمين العربي والإسلامي في حال وصولها إلى الحكم، إلى صدام دائم ومتصاعد مع الغرب بل ومع العالم بأسره. وربما إلى حرب نووية. لا نرى كيف يمكن لبوكو حرام وطالبان و«داعش»، برشاشاتهم وخناجرهم، الانتصار فيها على دول تمتلك آلاف القنابل النووية القادرة على تدمير أي مدينة في العالم بكبسة زر؟

لقد نجح العرب والمسلمون، ذات يوم، في أن يتقدموا إلى طليعة الأمم والشعوب حضارة وعلما وقوة. ورغم تراجعهم أمام نهضة الغرب وتحكم الاستعمار بمصيرهم، فإنهم حافظوا على دينهم وهويتهم ولغتهم. ورغم نكبة فلسطين فما من دولة عربية أو إسلامية إلا وقد حققت تقدما مذهلا في كل الحقول والمجالات (يكفي زيارة الرياض ودبي وكل الدول الخليجية بل وأي عاصمة عربية، للتأكد من هذه الوثبة الكبيرة التي تحققت). وهل كان الإسلام حيا ومنتشرا ومعززا يوما كما هو اليوم من إندونيسيا إلى المغرب؟ وهل مئات الملايين الذين يؤدون الصلاة في عشرات الألوف من المساجد التي بنيت في الخمسين سنة الأخيرة، إلا دليل ساطع على أن الإسلام ليس في خطر بل هو الدين الأكثر حضورا في حياة الشعوب المحسوبة عليه؟ فلماذا يغمض الإسلامويون المتطرفون أعينهم عن كل هذه المنجزات الدينية والإنسانية وينطلقون في مناوأة الأنظمة ويعلنون الحرب على الغرب والعالم كله؟ وهل الخلاص والحل هو في تحجيب فتيات صغيرات ومنعهن عن الدراسة وحبسهن في منازلهن؟ (ملاحظة: وفقا لوسائل الإعلام الغربية عبارة «بوكو» هي تحريف لكلمة «بوك» الإنجليزية أي «كتاب». و«بوك - حرام» تعني «تحريم قراءة الكتب الأجنبية». ومنها الكتب العلمية التي أوصلت الحضارة الإنسانية إلى ما وصلت إليه اليوم...).

إن الحرب الباردة في أوكرانيا لن تتحول إلى حرب نووية. والغرب، رغم تقلص أو تقليص دوره المهيمن، لن يتوقف عن البحث والاكتشاف وقيادة العالم نحو آفاق أفضل للإنسان بيئة وصحة وحرية ورفاها. وتسير في الاتجاه ذاته دول كبرى أخرى آسيوية وأميركية - جنوبية. ولا يستطيع العرب والمسلمون (بالإذن من بوكو حرم و«داعش» و«القاعدة») الوقوف بوجه هذا التحول الكبير في العالم الذي أحدثته التكنولوجيا ولا التهرب من المشاركة والتضامن مع العالم في إنقاذ البيئة وحل مشكلة المياه وحفظ السلام ومقاومة الأوبئة وغيرها من الأخطار التي تهدد الإنسان والإنسانية.

إن العرب والمسلمين مدعوون لاستعادة مقعدهم إلى جانب الشعوب والدول المتقدمة وللتعاون معها على حل مشاكلهم الوطنية والمشاكل العالمية.. وليس إلى ما ترفع شعاراته جماعات كطالبان وبوكو حرام وداعش وغيرها من الجماعات التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين بشعاراتها التكفيرية وتصرفاتها الإرهابية.