كلام جميل لرجال الأعمال

TT

في توصيف التحديات التي تواجه «الجمهورية الثالثة» في مصر التي ستدشن مع إعلان الرئيس الفائز في الانتخابات التي ستنتهي اليوم نقلت رويترز في تحقيق لها الأسبوع الماضي عن نائب رئيس اتحاد الصناعات المصري ضرورة تحرك الرئيس المقبل في اتجاه الإصلاح الاقتصادي وقوله «ظهرك للحائط فإما الإصلاح أو الفشل وثورة ثالثة».

الأهم هو ما نقل على لسان عدد من رجال الأعمال المصريين الكبار الذين تستفيد شركاتهم من دعم الطاقة من حثهم على معالجة المشكلات الهيكلية في الاقتصاد مثل البطالة والعجز المتزايد في الميزانية وإدراكهم أن مستقبلهم يرتبط بمجتمع صحي. وعكس ذلك أحدهم الذي قال «نحن نحتاج الجماهير، فلا يمكننا العمل في وضع نعيش فيه حياتنا وننمو ونجمع المال في مجمعات مغلقة وبقية البلاد في حالة يرثى لها، لأنهم في اليوم التالي سيخرجون إلى الشوارع وستسود الفوضى» وفي نفس الاتجاه تحدث رجال أعمال آخرون.

أهمية هذا الكلام هو أنه يعكس نضجا سياسيا بين طبقة رجال الأعمال وإدراكا لمسؤوليتهم المجتمعية، وأن ديمومة الأرباح ونموها لا يستمران في بيئة سياسية مضطربة، وهم رغم قلتهم العددية، فإن نفوذهم الاقتصادي كبير من خلال الاستثمار والتوظيف، وتحريك دورة الأموال الداخلية.

وفي المجتمع المصري حيث كانت هناك دائما صورة سلبية في ذهن الرأي العام عن النشاط الخاص نتيجة إرث سياسة التنمية الموجهة المعتمدة على الدولة التي استمرت عقودا، وكذلك بعض ممارسات الفساد، جميل أن يصدر مثل هذا الكلام الذي يعكس تطور فكر القطاع الخاص أو فئة رجال الأعمال في ربط نموهم وأرباحهم بحل مشكلات المجتمع والرغبة في المساهمة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي.

والحقيقة أنه يمكن رصد تبلور وعي بين قطاعات المجتمع المختلفة في مصر بإلحاح التحديات المطروحة في مجال الإصلاح الاقتصادي التي تعد أهم ما تواجهه الجمهورية الجديدة رغم ما تحمله من أعباء، وربما مشكلات، لكن أصبح هناك إدراك بأنه لم يعد هناك بديل عن تجرع الدواء المر، فالمساعدات الاقتصادية لو جاءت اليوم لن تستمر غدا، كما أن متطلبات دولة حجمها 90 مليون نسمة كبيرة.

ولعل هذا الإلحاح على التحرك في مواجهة متطلبات الإصلاح هو الذي يفسر إقدام الحكومة الحالية وحتى قبل إعلان نتيجة الانتخابات على خفض دعم الوقود بنسبة 22 في المائة في الميزانية الجديدة الخاصة بعام 2014 - 2015، وذلك لتخفيف عبء دعم الطاقة الذي يستهلك نحو 20 في المائة من الميزانية التي يذهب ثلاثة أرباعها إلى الدعم والأجور وخدمة الدين العام بما لا يبقي الكثير للخدمات الأهم للتنمية مثل التعليم والصحة والبنية الأساسية.

وإذا كانت السنوات الثلاث الماضية الحافلة بالاضطرابات السياسية، والسياسات الاقتصادية غير الرشيدة لسنة من حكم الإخوان قد تسببت في تراجع اقتصادي أبرز ملامحه الخسارة الكبيرة في عائدات السياحة، والمصانع التي توقفت عن العمل، وارتفاع نسب البطالة، فإن المشكلات الهيكلية الموجودة منذ عقود في الاقتصاد من دون مواجهة جذرية وحقيقية لها تتجاوز جرعات المسكنات هي أساس المشكلة، ومن دون مواجهتها لن يكون هناك حل جدي.

وقد جاء مشهد الإقبال على التصويت من قبل الناخبين في اليوم الأول من التصويت في انتخابات الرئاسة المصرية ليعكس رغبة جماهيرية في تجاوز المرحلة الانتقالية، وإعطاء الرئيس المنتخب الذي سيأتي التفويض الشعبي الذي يحتاجه لدوران عجلة الإصلاح، وهو تفويض ستحتاجه الجمهورية الثالثة التي لا يزال يتعين عليها استكمال مؤسسات أخرى مثل البرلمان.