طرد السفير السوري.. هذه هي الحقيقة والباقي أكاذيب!

TT

كثير مما قيل عن طرد السفير السوري بهجت سليمان من الأردن واعتباره شخصا غير مرغوب فيه هو من قبيل شطحات الخيال، وهو افتعال مقصود لاستشهادات حالها كحال الأطعمة المعلبة الفاسدة لتبرير الانتقال من الاصطفاف الضبابي إلى الاصطفاف «الفج» والمعلن إلى جانب نظام بشار الأسد الذي لم يعد يقف إلى جانبه، بسبب كل هذه الجرائم التي ارتكبها ضد بلده وضد شعب من الواضح أنه لم يعد شعبه، إلا نهاز فرص امتهن نقل بندقيته من كتف إلى الكتف الأخرى، أو متورطا بعلاقات قديمة مع هذا النظام ومع أحد أجهزته الاستخبارية والأمنية.

فالقول إن إبعاد بهجت سليمان، ضابط المخابرات السابق وربما اللاحق أيضا، قد جاء متزامنا مع بدء مناورات «الأسد المتأهب» العسكرية التي تجري (حاليا) قرب الحدود السورية الجنوبية وتشارك فيها تسع عشرة دولة.. والتساؤل بعيدا عن البراءة عمن يتأهب من أجله هذا الأسد، لا يشبههما إلا ما بقي يردده الممثل السوري المبدع حسني البورزان في مسلسل «صح النوم» وهو: «إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا فعليك أن تعرف في البرازيل»!!

فهذه الدورة لمناورات «الأسد المتأهب» هي الدورة السنوية الرابعة، أي أن أول دورة كانت قبل انفجار هذه الأحداث المأساوية التي بقيت تعيشها سوريا على مدى ثلاثة أعوام وشهرين، ثم إن المعروف أن هذه المناورات تجري على بعد أكثر من مائة وخمسين كيلومترا من الحدود السورية، أي في وسط المملكة الأردنية الهاشمية، وإنها بالطبع مثلها مثل مناورات النجم الساطع لا تستهدف أحدا لا «القطر العربي السوري» ولا «فسطاط المقاومة والممانعة» ولا «العدو الصهيوني» ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فهي تدريبات سنوية مثلها، بالنسبة للجيوش التي شاركت فيها، مثل العلاقات العامة بين الدول التي هدفها تعميق التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات من دون استهداف أي دولة أخرى.

وبالطبع فإن كل هذا الحشد العسكري، الذي لا تتعدى مشاركة معظم الدول المشاركة فيه مجرد الحضور الرمزي، والذي يضم دولا مثل بروناي وجمهورية التشيك وكازاخستان وبلجيكا ولبنان والنرويج وبولندا وقطر، لا يستهدف إيران إطلاقا، وهو لا يستهدف أيضا نظام بشار الأسد الذي اضطر بعد انهيار قوته العسكرية للاستعانة بالحرس الثوري الإيراني وبـ«حزب الله» وبالشراذم المذهبية والطائفية التي تم استيرادها من العراق ومن إيران ومن باكستان وأفغانستان.

وبالتالي وما دام أن الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبعض الدول الغربية والعربية قررت تسليح المعارضة السورية بـ«الأسلحة النوعية» التي تطلبها وتطالب بها هذه المعارضة، فإنه لا توجد أي حاجة ولا يوجد أي مبرر للجوء إلى حلف شمالي الأطلسي (الناتو) ولا إلى «الأسد المتأهب» الذي بدأت مناورات دورته الرابعة لعام 2014 يوم الأحد الماضي والتي من المقرر أن تنتهي كما كانت تنتهي كل عام في مطلع يونيو (حزيران) المقبل والتي لم يشارك فيها من كل هذه الدول، التي عددها اثنان وعشرون دولة، إلا ثلاثة عشر ألف جندي من مختلف الصنوف البرية والجوية والبحرية.

إن هذا هو واقع الحال، وبالتالي فإنه ليست هناك حاجة بالنسبة لمن اعتاد التنقل بين محاور الصراعات والخلافات العربية أن يجهد نفسه كل هذا الإجهاد لإعطاء طرد السفير السوري بهجت سليمان من الأردن وإبعاده عن الأراضي الأردنية أبعادا مفتعلة لتبرير التحاقه بـ«فسطاط الممانعة والمقاومة» وإن متأخرا؛ فالمسألة لا علاقة لها بـ«الأسد المتأهب» ولا بتسخين الجبهة الجنوبية المحاذية للأردن و«تفعيلها»، وهنا فإنها كذبة لا أكبر منها كذبة أن يقال: «وتشير تقارير إخبارية إلى احتمال مشاركة قوية للأردن في عملية التسخين هذه.. لوجيستيا على الأقل».

لقد كان الأحرى بمن يملك مثل هذه التقارير أن يبرزها لا أن يبقيها «مبنية للمجهول».. ثم ما علاقة طرد السفير السوري من الأردن بهذا التسخين وبهذه التحليلات «الطرزانية»؛ فالمفترض بالمتورط في مؤامرة إمبريالية وصهيونية و«سكناجية» ضد تحالف «الممانعة والمقاومة» وضد هذا النظام، الذي أشبع العالم مراجل ولم يكف عن التهديد والوعيد بأنه سيلقن إسرائيل درسا لن تنساه في الزمان والمكان المناسبين، أن يصمت صمت أهل الكهف وأن يتحمل «رزالات» بهجت سليمان وتجاوزاته لبضعة أسابيع ما دام أنه تحملها لأربع سنوات كي يأتي هجومه هو وحلفائه على «القطر العربي السوري» مفاجئا ومن دون أي إشارات مسبقة.

ولعلم هؤلاء فإن قرار إبعاد السفير السوري وطرده من الأردن قد اتخذ في يونيو العام الماضي 2013 وأنه أعطي إنذارا وأبلغ بهذا القرار، وكذلك دولته، وأن التأجيل منذ ذلك الوقت وحتى يوم الاثنين الماضي كان من قبيل إعطاء هذا الرجل المزيد من الوقت لإعادة النظر بتصرفاته التي تتعارض مع كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية وإعطاء دولته الوقت نفسه كي تنقل سفيرها وتستبدل به سفيرا آخر أو تلزمه بالتوقف عن كل تجاوزاته وممارساته المسيئة للبلد الذي يستضيفه ومنعه من التدخل في الشؤون الداخلية الأردنية.

والملاحظ أن هذا السفير بدل أن يلتزم الصمت بعد قرار طرده حفاظا على علاقات بلده «الأخوية!!» بالأردن بادر إلى الإعلان عبر الـ«فيس بوك» وكل وسائل التواصل الاجتماعي عن أن طرده كان يجب أن يتم قبل ثلاثة أعوام، مما يعني أن إيفاده ليكون سفيرا لسوريا في عمان ربما كان عقوبة وإبعادا، وأن تماديه ومبالغته في تجاوزاته خلال هذه الفترة الطويلة التي قضاها في هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، هدفه حشد المزيد من المبررات ليتخذ الأردنيون هذا القرار الذي اتخذوه يوم الاثنين الماضي.

والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو: ترى هل جاء بهجت سليمان إلى الأردن مبعدا بالفعل وعلى خلفية أنه كان الأكثر موالاة لرفعت الأسد من بين كل كبار الضباط العلويين الذين انحازوا إليه في محاولته الانقلابية المعروفة الفاشلة على شقيقه الأكبر حافظ الأسد الذي كان عندما اشتدت عليه وطأة المرض قد دفع بابنه باسل الذي توفي لاحقا ليخلفه في موقع رئاسة الجمهورية وعلى غرار ما حدث لاحقا عندما تم اختيار ابنه بشار لهذا الموقع بعد وفاته في عام 2000؟

إنها مجرد تخمينات غير متوفر ما يؤكدها؛ فهناك من قال (والعهدة على القائل)، إن بهجت سليمان جاء إلى عمان منفيا ومبعدا، وإنه تقصد أن يبالغ في تجاوزاته وفي دفاعه عن بشار الأسد ونظامه من قبيل ما يسمى «التقية»، وإن آخر تجاوزاته هذه، كما يقال، أنه تفوه بكلام سيئ ومسيء في حفل الذكرى الثامنة والستين لاستقلال الأردن الذي أقيم يوم الأحد الماضي، فكان هذا الذي تفوه به هو القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال.

إن كل شيء جائز، وإنه غير مستبعد أن بهجت سليمان، الذي يعتبر نفسه صانع بشار الأسد، قد كان يخطط وربما لا يزال مع «معلمه» القديم رفعت الأسد للقيام بحركة انقلابية جديدة بحجة ضرورة إنقاذ سوريا وإنقاذ الطائفة العلوية بعدما أوصل الرئيس الحالي سوريا والطائفة العلوية إلى كل هذا الانهيار وإلى هذه الأوضاع المأساوية.

والمهم أن ما قام به الأردن لم يتعد حتى الآن مجرد إبعاد سفير لم يلتزم بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية الملزمة لأي دبلوماسي وأي سفير في العالم كله، وحقيقة أن مسألة إغلاق السفارة السورية في عمان متوقفة على الطريقة التي ستعالج بها حكومة بشار الأسد هذا الأمر، وأنه غير مستبعد أن يعطي «الائتلاف الوطني» في هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، ما أعطته له بعض الدول العربية وبعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة.. ويبقى أنه لا بد من الإشارة إلى أن السفارة الأردنية في دمشق شبه مغلقة الآن، وأنه تم سحب السفير الأردني وأيضا القائم بالأعمال من هناك قبل نحو عامين، وأنه لم يعد في هذه السفارة أي دبلوماسي، على الإطلاق.