أبو هريرة من فلوريدا!

TT

لا غرابة أن نرى شابا من لبنان أو العراق أو تركيا أو الأردن، جيران سوريا، يقاتل بصفوف المعارضة السورية، أو لصالح النظام الأسدي، فهي حرب فجرت الاصطفافات العميقة وأخرجتها من الباطن للظاهر.

تزداد الغرابة حين يتدفق مقاتلون من ليبيا وتونس والمغرب واليمن ودول الخليج لصالح جيوش المعارضة. أو مقاتلون شيعة من اليمن وأذربيجان وأفغانستان والهند وباكستان لصالح النظام. الغريب الغريب، والمثير العجيب، هو أن تجد شابا متطوعا للقتال في سوريا، وغير سوريا أيضا، من ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا، ليس من المسلمين المهاجرين، بل من السكان الأصليين، بيض ينتمون، قبل إسلامهم، للمسيحية. وأيضا تطوع شبان الجيل الثاني والثالث من المهاجرين العرب والمسلمين للغرب.

قبل أيام كشفت وزارة الخارجية الأميركية عن هوية «أبو هريرة الأميركي» الانتحاري الذي فجر شاحنة مفخخة بوزن هائل من المتفجرات بحاجز للجيش السوري في منطقة «جبل الأربعين» قرب مدينة «أريحا» بمحافظة إدلب. وقالت الناطقة باسم الوزارة، جين ساكي، إن الانتحاري يدعى منير محمد أبو صالحة، وهو مواطن أميركي نشأ في فلوريدا.

أعجب من ذلك دلالة هو ما تحدثت به سالي إيفانز والدة الشاب البريطاني توماس (24 عاما) الذي سافر للصومال منخرطا في صفوف «حركة الشباب» القاعدية، قائلة حسب ما نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية إنها تفضل رؤية توماس مسجونا بدل رؤيته يقاتل مع جماعة إرهابية. على ذكر الصومال، هل تتذكرون الأرملة البيضاء؟

سامانثا لوثويت (29 عاما) شابة بريطانية متهمة بالضلوع في هجمات إرهابية، وبالتخطيط لشن هجمات جديدة ضد الغربيين انتقاما لمقتل معلمها القيادي في تنظيم «القاعدة» الصومالي الشيخ أبو بكر شريف أحمد. وكان لقب «الأرملة البيضاء» أطلق على لوثويت بعد مقتل زوجها جيريمين ليندسي حين فجّر نفسه مع ثلاثة انتحاريين آخرين في شبكة مواصلات لندن عام 2005.

ماذا يعني هذا كله؟

يعني أننا دخلنا في حروب ومواجهات من نمط جديد، رايتها تغطي الأرض كلها، ومسرحها أديم المعمورة، وغايتها استقطاب كل يائس من الحياة، أو راغب في الانتحار، أو ناشد لتغيير العالم، في لحظة واحدة، حسب ما يمليه عليه جهله أو حماسته، أو رغبته الخاصة في التخلص من حياته، بطريقة «مشرفة».

عدد المقاتلين الأوروبيين في سوريا يقدر حسب الشرطة الأوروبية (يوروبول) بنحو ألفي فرد بحلول نهاية عام 2013. وقالت هذه الوكالة إن العدد مرشح للزيادة خلال العام الحالي 2014. تمرغت أوروبا، عبر شبانها وشاباتها، في مشكلات منطقتنا إذن، ليس أوروبا فقط، بل أميركا، وحتى اليابان، فقد قرأت عن متطوعة يابانية في صفوف المقاتلين السوريين. ما يجري في سوريا، استصرخ كل نوازع الدمار لدى الجميع، لكن السيد أوباما ووزيره كيري لديهم إيقاع زمني متأخر لفهم هذا الواقع السافر.

سياسات البرود الأوروبي، باستثناء فرنسا، والتذاكي الأميركي، منذ بداية الكارثة السورية، ضرتهم قبل أن تضرنا، وستنتج لهم غلمانا أشأم من أبو هريرة، فتى فلوريدا الهادئ.