العنصريون وأسلمة أوروبا

TT

أزور مانشستر هذه الأيام، ولاحظت أنه لم ينغص فرحة الجالية المسلمة بالانتصار الصريح لعمدة مدينة مانشستر السابق الصديق أفضل خان بعضوية البرلمان الأوروبي، بعد معركة برلمانية شرسة، إلا تصاعد الأصوات السياسية العنصرية ضده مسلمي بريطانيا، خاصة بعد الظهور السريع لحزب الاستقلال البريطاني، وهو حزب يمسك العصا من الوسط بين اليمين العنصري المتطرف وحزب المحافظين. هذا الحزب الجديد، الذي يجد فيه الناخب البريطاني متنفسا من ملل طروحات الأحزاب البريطانية العريقة، يتبنى بالدرجة الأولى حملة الاستقلال عن أوروبا، وله في البرلمان الأوروبي 28 عضوا، وتقوم فلسفته في الاستقلال عن أوروبا وعضوية مجلسها التي تبدو للوهلة الأولى متناقضة، على نظرية نقل الأصوات البريطانية المعارضة لانضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي إلى معقل الاتحاد، فإذا كانت هذه نظرته تجاه العرق الأبيض الأوروبي، فطبيعي أن تكون نظرته تجاه الجاليات الأجنبية خاصة الجالية المسلمة أشد سوءا وعنصرية، وهذه النظرة ليست بسوء اليمين المتطرف لكنها تتقاطع معه.

والمؤسف أن حزب المحافظين العريق أصابه القلق والارتباك من تنامي شعبية حزب الاستقلال البريطاني الجديد ونجاح الأخير في جذب بعض أعضاء حزب المحافظين إلى عضويته، فبدأ ينزع إلى لغة أكثر تشددا مع الجالية المسلمة ومؤسساتها الإسلامية، في محاولة غير نزيهة للحد من نزيف شعبيته لحساب الحزب الجديد، وهذا أحد تفسيرات التحقيقات التي طالت مؤسسات ومدارس تتبع للجالية المسلمة المسالمة.

وفي تصوري أن خطر هذه الجماعات العنصرية لا يكمن في عددها في الوقت الحاضر، ولكن في خطورة تكتيكها، فهي تدرك أن الرأي العام الأوروبي ضدها وضد طروحاتها، كما هو ضد أي تمييز عنصري، ولهذا فقد عمدت في شعاراتها ومظاهراتها ولافتاتها وخطبها ومقاطع الفيديو التي تبثها في الإعلام الجديد إلى استخدام لغة استفزازية تهدف بالدرجة الأولى إلى «شيطنة» المتحمسين من شباب الجالية الإسلامية في بريطانيا ليقوموا برد فعل عنيف مضاد، والإعلام الغربي في أشد الجاهزية لتسليط الضوء على ردود فعل المسلمين السلبية وتضخيمها، ومثل هذه الردود العنيفة من شأنها أن توسع رقعة تأييد هذه الجماعات العنصرية بين فئات المجتمع الأوروبي العادية.

وللأسف فهذا ما جرى أمام أحد مساجد العاصمة البريطانية قبل مدة، فبعد أن تجمهرت جماعة «أوقفوا أسلمة أوروبا»، رافعة شعاراتها العنصرية، تجمهر في المقابل عدد مماثل من الشبان البريطانيين المسلمين المتحمسين، وهذا التجمهر أو التجمهر المضاد تسمح به القوانين، لكن المشكلة حين يفلت زمام الأمور عن السيطرة فيصبح تقارب مثل هاتين الفئتين المتناقضتين كأنه تقريب للزيت من النار، وحين تتعالى الأصوات والسباب والشتائم وتتوتر الأجواء يصبح كل شيء ممكنا، ولهذا عمد بعض الشباب المسلمين في تصرف أرعن مؤسف إلى رشق الشرطة البريطانية بالحجارة.

وبكل شفافية وأسف نقول إن بعض تصرفات عدد محدود من الجالية الإسلامية وعدد محدود أيضا من مراكزها الإسلامية تمثل الوقود المغذي للجماعات العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين في بريطانيا وكل أوروبا، ولا يزال وضع الجالية الإسلامية إلى الآن متأثرا سلبا بالتصريحات النارية الاستفزازية لأبو قتادة وأبو حمزة وعمر بكري، وكذلك المتعاطفين مع فكر أعضاء «القاعدة» الذين قادوا تفجيرات الأنفاق الأرضية في لندن وهجوم مطار غلاسكو ممن استمتعوا بوهج الإعلام البريطاني وتغطياته، غير مدركين للتأثيرات السلبية التي تركتها تصريحاتهم وتصرفاتهم على الساحة الإسلامية في أوروبا كلها.