الطريق إلى «زمزم» إخوان الأردن

TT

ليس للذين يتابعون ما يجري هذه الأيام، على مستوى جماعة الإخوان في الأردن، أن يندهشوا من إقدام الجماعة هناك، على فصل ثلاثة من قياداتها، دون ذنب ارتكبوه، إلا أنهم أعلنوا ثم تبنوا مبادرة اشتهرت بأنها «مبادرة زمزم» نسبة إلى اسم الفندق الذي أطلقوها من إحدى قاعاته.

فالمبادرة، لمن لم يسمعوا بها، تدعو إلى نوع من الإصلاح، داخل جماعة الأردن، وأيضا إلى درجة من المراجعة لأفكار في العمل السياسي، لم تعد مجدية، ولا ذات فائدة.

ولا بد أن ما حدث للجماعة الأم، في القاهرة، منذ سقوطها المدوي في 30 يونيو (حزيران) الماضي، كان يدعو الجماعة الفرع، في عمّان، ليس فقط إلى أن تستجيب للمبادرة الشهيرة، وإنما كان يدعوها إلى أن تبادر هي من تلقاء نفسها، إلى الإصلاح في داخلها، وإلى المراجعة لأفكارها التي عاشت عليها عقودا من الزمان، دون انتظار لمبادأة من رجال ثلاثة في داخلها.

ولا بد أيضا، أن سلوك حركة «النهضة» الإسلامية في تونس، فيما بعد سقوط الإخوان في القاهرة، كان يدعو إخوانهم في العاصمة الأردنية إلى أن يسارعوا بالاستجابة لما تدعوهم القيادات الثلاثة إليه، وأكاد أقول إن ما جرى للجماعة الأم في مصر، وكذلك الشكل الذي تعاملت به «النهضة» التونسية، مع ما أصاب أحفاد حسن البنا، عندنا في مصر، كان كله يدعو فرع الأردن، ليس فقط إلى الاحتفاء بمبادرة القيادات الثلاثة، وإنما إلى المزايدة عليهم، بالذهاب، والحال هكذا، إلى مدى أبعد من الإصلاح، ومن المراجعة معا!.

غير أن ما حدث، كان على النقيض، وكأن إخوان الأردن لا يرون ما حل بجماعة البنا، أو كأنهم يرون ولا يأخذون الدرس الواجب، مع أن ما حدث، من إطاحة مرسي وجماعته، قبل نحو عام من الآن، كان أقرب ما يكون إلى الزلزال في تاريخ الجماعة الأم كله، ومع أن ما حدث، كان في جوهره، حصيلة واضحة لانغلاق الأم، ورفضها الإصلاح، ومعه المراجعة، بل ومطاردة أصحابهما، وفصلهم، كشأن إخوان الأردن تماما، أو عزلهم وحصارهم بحيث لا تكون لهم مكانة، ولا تأثير في مسيرة الجماعة!.

إن أي نظرة عابرة، إلى المربع الذي يقف فيه الآن، رجال من أمثال كمال الهلباوي، أو محمد حبيب، أو ثروت الخرباوي، أو حتى عبد المنعم أبو الفتوح، تشير لك إلى أن الاعتدال لم يكن له مكان في داخل الجماعة الأم، طوال السنوات الأخيرة على وجه التحديد، وطوال تاريخها بصفة عامة، وأن كل الذين آمنوا بالاعتدال في الفكر، وفي الممارسة، من أمثال هؤلاء، قد اصطدموا بالقطبيين الذين هم أتباع سيد قطب في داخلها كجماعة أم، فخرجوا منها، أو انعزلوا في إطارها!.

ولست أبالغ في شيء، إذا قلتُ إن الدكتور عصام العريان، كان آخر هؤلاء، وإنه لأمر ما، قد أحس بأن اعتداله لا يضمن له موقعا ذا بال، في مستقبل الجماعة، فزايد على متشدديها أنفسهم، غير أنه حين فعل ذلك، قد فعله متأخرا، في ظني، فلم يحصد شيئا.. إذ خسر اعتداله الذي كان قد اشتهر به بيننا، على الساحة السياسية المصرية، ولم تمنحه جماعته في المقابل، سوى الفتات، ربما لأنها رأت فيه قطبيا مبتدئا ومتصنعا، لا قطبيا أصيلا!.

وقد كان الصراع على رئاسة حزب الحرية والعدالة، لسان حال جماعة الإخوان قبل سقوطها، هو النقطة الفصل في نموذج العريان.. فقبلها، كان الرجل يبدو معتدلا، وكان مرنا في أفكاره، وكان يأخذ ويعطي مع الآخرين، ولكنه بعدها، لم يعد كما كان وصار شخصا مختلفا.

فما السبب؟!.. السبب أنه بعد أن فتح الحزب باب الترشح على رئاسته، خلفا لمرسي، الذي كان قد أصبح رئيسا، تقدم العريان للترشح على رئاسة الحزب، وكانت كل التوقعات والحسابات أيامها تقول إنه هو صاحب المنصب لا محالة، خاصة أنه كان نائبا أول لمرسي، عندما كان على قمة الحزب.. ولكن.. فجأة، قررت الجماعة الدفع بسعد الكتاتني، لينافس العريان، ولم تكن خطوة كهذه تعني، إلا أن القطبيين في داخل الجماعة الإخوانية، قد قرروا أن يحرموا العريان، من رئاسة حزب انتظرها طويلا، وسعى إليها، ثم قرروا في الوقت نفسه، أن تكون رئاسة حزبهم، من نصيب الكتاتني الأقرب إليهم، وإلى أفكارهم ورؤاهم!.. وهو ما كان!

ولا بد أن أي مراجعة لطريقة العريان في الأداء العام، في المجتمع، سوف تلاحظ بسهولة، أن أداءه السياسي بعد أن خسر المقعد على رأس الحزب، اختلف كليا، عما كان عليه من قبل، وأكاد أتخيل الرجل، بعد الانتخابات التي خسرها، وهو يحادث نفسه، في مونولوغ غير مسموع، فيقول ما معناه، إنه إذا كان الأمر بالتشدد، فليكن، وإنه إذا كان التقدم إلى ذروة المواقع داخل الجماعة، مرتبطا بالتطرف في الفكر، وفي اعتناق فكر من هذا النوع، فهو لها.. وهو كذلك ما كان.. وصرنا نفرق بين عصام العريان، الذي عرفناه، من قبل، وبين عصام العريان الذي قال ذات مرة في حوار تلفزيوني مسجل معي على قناة «دريم»، إن «مبارك» لن يخرج من السجن، إلا إلى القبر!!..

فلما راجعته بأن الذي يقرر أمرا كهذا، هو القضاء، والقضاء وحده، ارتبك، وقال كلاما بلا معنى!.

ما شهدناه، إذن، على مستوى جماعة الأردن، له أصل في الجماعة الأم، غير أن هناك فارقا مهما، هو أن فصل القيادات الثلاثة، كان من الممكن أن يكون طبيعيا، وأن يكون متسقا مع ما قبله، لو لم تسقط «الأم» بسبب سيادة التشدد، ومعه التخلف، في عقول قياداتها.

فإذا كان السقوط قد وقع، على مشهد من الدنيا، وإذا كان كحدث، لم يؤثر هكذا في الفرع الأردني، بكثير ولا بقليل، فمعنى هذا أنهم كإخوان هناك، في المملكة الهاشمية، لا يزالون يتصرفون وكأنهم مقودون إلى مصير لا يملكون إزاءه شيئا، ثم كأنهم سائرون إلى طريق، لا إرادة لهم فيه!.

إنه صراع، في مضمونه، سواء كان في القاهرة، أو في عمان، أو في أي عاصمة أخرى، بين قلة داخل الإخوان تريد أن تتصل بالعصر الذي تعيش ونعيش نحن فيه، وبين غالبية تصمم على أن تنكفئ في عصور مضت، ولم يعد لأفكارها بيننا مكان!.. ولا بد أن الغلبة سوف تكون للفئة الأولى، حتى وإن كانت قلة بحساب العدد والأرقام!.