الأدوات الإيرانية وأزمة العراق

TT

رحب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بالقصف السوري على العراق، وفاجأنا جميعا بهذا الترحيب وكأننا أمام مسرحية هزلية - تراجيدية، مسرحية مبكية - مضحكة في الوقت نفسه، فعندما نرى مشهدا يظهر فيه رئيس لوزراء دولة يرحب بقصف الآخرين للدولة التي يرأسها، فما هو التفسير لذلك؟ غير أن ذلك مشهد مسرحي تراجيدي - كوميدي في آنٍ واحد.

إن هذا الموقف المسرحي المدهش يعبر وبشكل صريح عن فقدان القدرة على فهم الواقع السياسي للمنطقة، وعن سوء تقدير للمعنى الحقيقي للإدارة السياسية، بل إنه يؤكد لنا أن من يتحدث بهذا المنطق ما هو إلا أداة لجهة لا علاقة لها بالوطن الجريح (العراق).

لقد أغرقتنا خطابات المالكي والأسد ونصر الله عما يسمى خط المقاومة المدافع عن الأمة أمام إسرائيل، وعن الحرب على الإرهاب، ولكننا لو راجعنا أفعال هؤلاء، لوجدنا أن كل ما أنجزوه ضد إسرائيل لا يخرج عن نطاق الدعاية السياسية الوهمية لإيهام الجماهير العربية بأكذوبة المقاومة والحرب على الإرهاب، بل إن سلاحهم في الحقيقة دوما كان موجها لأبناء الوطن الواحد وتحت أسماء مختلفة، وإن الإرهاب نشأ في الأماكن التي عملوا فيها، وإنهم في حقيقتهم أدوات إيرانية مطبقة لنظرية غوبلز، وزير الدعاية الألماني، إبان الحرب العالمية الثانية التي تقول: «اكذب. ثم اكذب. ثم اكذب. حتى يصدقك الناس».

إن الإرهاب قد شاع وانتشر في كل من سوريا والعراق ولبنان بفضل هذه الأدوات التي تسعى بكل الجهود إلى تحويل هذه الدول إلى ولايات إيرانية تابعة لولاية الفقيه خامنئي، وأن لا غاية وطنية لها في أي قضية عربية مصيرية.

إن إيران اليوم لا تسعى إلى تصدير الثورة الإسلامية كما يظن البعض، لأن الثورة الإسلامية في إيران قد انتهت ونخرت من الداخل، وكشفت مضامينها، وأصبح عقل المواطن الإيراني رافضا لهذه الآيديولوجيا الميتة، بل إنه في حالة انتظار متشوق لتغيير جديد.

ولكن النظام الإيراني ما زال يسعى بكل جهوده إلى تأجيل التغيير المرتقب محليا ودوليا في إيران من خلال خداع الجماهير الإيرانية بأن الثورة الإسلامية ما زالت حية، وهي تصدر للعالم العربي كما سعى الخميني، ولكن الحقيقة المرة هي أن إيران «تصدر الأزمة الداخلية» لتأجيل التغيير الحتمي، ولقد تحول المفهوم السياسي للنظام الإيراني من «تصدير الثورة» إلى «تصدير الأزمة» للحفاظ على استمرارية النظام.

إن إيران تراهن على التمسك بالمالكي كما ظلت تراهن على الأسد في سوريا، وهي في الحقيقة لا تملك النفوذ في العراق كما كانت تملكه في 2010، فالقادة الشيعة، كالسيد الحكيم ومقتدى الصدر، بدأوا يفكرون في مصالحهم السياسية قبل مصالح إيران، وانتقلت إيران إلى الأولوية الثانية أو الثالثة في حساباتهم السياسية، وإن التحالف الشيعي أصبح من الماضي ولا جود له اليوم.

إن الثورة الإسلامية في إيران سقطت بعد الحرب العراقية الإيرانية في 1988، وجرى كشف زيف هذه الدعاية التي هي بمثابة «دعاية طائفية»، تؤجج الخلافات بين الشعوب العربية الواحدة وتستهدف نسيجها الاجتماعي وسلمها الأهلي، وأصبح المواطن الإيراني في حالة ترقب واحتياج للتغيير، إلا أن الكبت والفاشية السياسية دحرت المواطن الإيراني، وبدأت إيران توهم هذه الجماهير بأن «ثورتنا وصلت إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين».

إن ما يسمى «داعش» ما هو إلا نتاج من نتاجات النظامين؛ الإيراني، والسوري المدعوم تحديدا من الأسد، وإن إدخال هذا الإرهاب إلى العراق عبر الحدود السورية العراقية في الموصل ما هو إلا خطة إيرانية بديلة لدعم المالكي بعد هزيمته في إيجاد حليف سياسي لتشكيل الحكومة الجديدة؛ حيث كانت تسعى هذه الخطة إلى الضغط على الكتل السياسية العراقية الأخرى لقبول المالكي رغما، وإقرار قانون الطوارئ، وكذلك للتأثير في الولايات المتحدة لدعم المالكي، لأنها ستشعر بضرورة بقائه كونه الأفضل لمكافحة الإرهاب والحقيقة هي العكس.

ولكن جاءت الصدمة لإيران ولأدواتها التي تحركها في كل من سوريا والعراق من خلال القرار الأميركي الرافض للتدخل العسكري المباشر، بل يبدو أن الولايات المتحدة كشفت اللعبة الإيرانية ودعت المالكي إلى إيجاد حل سلمي للأزمة العراقية.

لذا اتجهت الأمور اليوم إلى طريق آخر وهو ضرورة استخدام هذه الأدوات لأقصى طاقتها من أجل البقاء وللحفاظ على ماء وجهه مما بقي مما يسمى «الثورة الإسلامية» المنخورة من الداخل، وجاء قرار إيران بإعادة الطائرات الحربية العراقية التي أودعها الرئيس العراقي الراحل قبل احتلال العراق في 2003 إلى المالكي لاستخدامها في ضرب المناطق الثائرة بحجة مقاومة «داعش».

وبعد الموقف الأميركي، إننا، حقيقة، في حاجة إلى موقف وتحرك عربي ذكي وعاجل لإنقاذ العراق من هذا العدوان ولصناعة اتجاه عربي حازم ومؤثر، لإيقاف إيران عن تصدير القتل والدمار للعراق، الذي صدرته إلى سوريا سابقا، مستخدمة المالكي، كما استخدمت الأسد في سوريا، وشردت وقتلت الملايين، وقد نلقى قريبا مصيرا صعبا للعراقيين كمصير السوريين؛ حيث بدأت طوابير وحشود النازحين تتحرك باتجاه المناطق الكردية، وقد تتحرك حشود أخرى من نازحين قريبا باتجاهات أخرى.

إننا في حاجة إلى تحرك عربي ينشئ قوة تدعم الجماهير الثائرة في العراق، ويتحرك باتجاه إيقاف الاعتداء الإيراني.

* باحث وأكاديمي عراقي مقيم في الولايات المتحدة