خصوصية العلاقة بين السعودية والبحرين

TT

رغم أن مملكتي السعودية والبحرين تنتميان إلى منظومة سياسية واحدة، وهي منظومة مجلس التعاون الخليجي العربي، فإن للعلاقة التي تربط البلدين خصوصية ليس بحكم العوامل الجيوسياسية فقط، التي تُعتبر من أهم العوامل، ولكن بحكم عوامل تاريخية واجتماعية، حيث يحدثنا التاريخ عن أن هناك روابط سياسية واجتماعية واقتصادية بين المملكتين، كانت ولا تزال، منذ زمن طويل، وكذلك هناك روابط في التكوين الديموغرافي بين السعودية والبحرين، خاصة مع المنطقة الشرقية من السعودية، بحكم التجاور المكاني، فالعامل الديموغرافي يلعب دورا كبيرا في هذه العلاقات الراسخة، فهناك الروابط الأسرية وعلاقات المصاهرة بين الأسر التي تتصل بروابط القربى بين الشعبين السعودي والبحريني، بحيث أصبحا يمثلان كيانا اجتماعيا واحدا، ورغم أنه ليس بالجديد، لكن تطور الأوضاع في المنطقة ارتقى بالعلاقة بينهما. وإذا (لا سمح الله) لم يتحقق الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين؛ فمن باب أولى أن تتكون وحدة سياسية بين السعودية والبحرين منطوية تحت سقف مجلس التعاون الخليجي.

ومن حيث العلاقات الاقتصادية؛ فقبل حقبة النفط كانت هناك روابط تجارية بين الدولتين، فكان كثير من البحرينيين والسعوديين يعملون في مجال التجارة البينية بين البلدين، وفي مرحلة النفط أصبحت نسبة كبيرة من النفط السعودي يجري تكريرها في مصفاة البحرين، وعندما جرى إنشاء جسر الملك فهد ازدادت الروابط التجارية والاجتماعية بين البلدين، وأصبحت هناك شركات وبنوك ومشاريع اقتصادية مشتركة بين الدولتين، ونشطت التجارة البينية بينهما، وأصبح هناك شبه سوق مشتركة بين البلدين، وتبع ذلك زيادة في مجال الاستثمار البشري والاقتصادي والعمراني بين البلدين، ولسهولة التنقل بين البلدين، أصبح هناك كثير من الطلبة السعوديين يدرسون في الجامعات الخاصة في البحرين، وكثير من البحرينيين الذين يشغلون مراكز في البحرين هم من خريجي الجامعات السعودية، قبل أن يتم افتتاح جامعات في البحرين.

وفي عهد الراحل الملك فهد بن عبد العزيز وأخيه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (رحمهما الله)، وتحديدا في يوم 11 - 11 - 1982، تم وضع حجر الأساس وإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية إيذانا بالبدء في تنفيذ مشروع الجسر الذي يربط المملكة العربية السعودية بدولة البحرين، في حفل رسمي حضره قادة مجلس التعاون الخليجي أثناء القمة الخليجية التي انعقدت في البحرين عام 1982، ولقد كان للشاعر المبدع الراحل غازي القصيبي قصيدة من أروع قصائده التي قالها بمناسبة إنشاء هذا الجسر، الذي كان بالنسبة للبحرين على وجه الخصوص حدثا تاريخيا، لأنه لأول مرة ترتبط البحرين بريًا بالعالم الخارجي، بعد أن كانت أرخبيلا من الجزر، عبر هذا الجسر، وجاء في أول بيت من هذه القصيدة:

ضرب من العشق لا درب من الحجرِ

هذا الذي يربط الواحات بالجزر

ومما عمق العلاقة بين الدولتين الجانب الأمني، الذي أصبح مطلبا شعبيا قبل أن يكون مطلبا رسميا، فشعوب المنطقة تدرك أنه لا أمن واستقرار لدول مجلس التعاون الخليجي، وليس للسعودية والبحرين فقط، من دون أن يكون هناك كيان أكثر تطورا من الكيان الموجود حاليا، وهو كيان مجلس التعاون الخليجي، حيث إن تطور الأحداث السياسية في المنطقة فرض عليهما نوعا من التنسيق الأمني تحت مظلة اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي الأمنية، وذلك لأن أي خطر يهدد كلتا الدولتين وعموم منظومة دول مجلس التعاون، فإنه يُعتبر تهديدا للأمن الخليجي ككل، وفي ذلك قال المغفور له بإذن الله الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي في مقابلة له في ذلك الوقت: «إن أمن البحرين من أمن المملكة العربية السعودية». وهذا ما كان واضحا عندما تعرضت البحرين لأعمال الشغب والتخريب التي دبرها الموالون لإيران، بتاريخ 14 - 2 - 2011، ووقفت المملكة العربية السعودية وقفة شجاعة مع البحرين، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه لأعمال شغب وتخريب قام بها هؤلاء الموالون لإيران في منطقة القطيف، التي أغلب سكانها من طائفة الشيعة، وكان هدف إيران من وراء ذلك إدخال السعودية والبحرين ضمن الدول التي شملها ما سُمي بالربيع العربي، فكان لهذه الأحداث تهديد للأمن، ليس في البحرين فقط، إنما في السعودية، مما استدعى تفعيلا للاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون ودخول قوات «درع الجزيرة» للبحرين، وهذه الخطوة هي التي أفشلت المؤامرة الإيرانية على البحرين.

من هنا، نستطيع تفسير الدعوات التي يطلقها المسؤولون في دول الخليج بضرورة زيادة التنسيق بين دول المجلس، وكانت آخر الدعوات تلك التي أطلقها رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان خلال استقباله سفراء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لدى بلاده، بأنه «في خضم تسارع هذه الأحداث، وما تحمله من نذر خطر، فلا مجال للتردد في اتخاذ خطوات تنفيذية متقدمة نحو الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين». وأضاف: «التجمع الخليجي قوة يريد لها البعض أن تتفتت، وعلينا أن نكون أكثر حذرا، وأن تكون سياساتنا تجاه مختلف القضايا جماعية لا فردية».

وخصوصية العلاقة بين البحرين والسعودية تمثل نموذجا لخصوصية العلاقات الخليجية - الخليجية ككل. ومن هنا، على قيادات هذه الدول أن تحافظ على خصوصية هذه العلاقات، وتدرك أن هناك من دول الإقليم، وحتى بعض الدول الكبرى، من يتربص بدول الخليج العربي، وتُبذل المحاولات لتصدير الإرهاب والفتن لها، كما حدث ويحدث في معظم الدول العربية.

وندلل على ذلك بمثال، وهو ما تقوم به حركة الإخوان المسلمين و«حزب الله» اللبناني، ودورهما في محاولة تأزيم العلاقات بين دول الخليج العربي، حيث إن لهاتين الحركتين وجودا لوجستيا في معظم دول الخليج العربي؛ فحركة الإخوان المسلمين أصبح لها وجود قوي في دولة خليجية، وتتلقى الدعم من جهات متعددة، وخاصة بعد سقوطها في معقل وجودها، في مصر. وكذلك الخلايا النائمة التابعة لـ«حزب الله» اللبناني، حيث تتلقى الدعم من إيران، ولذا، فإن الخلاف بين بعض دول الخليج العربي يرجع سببه إلى ما تقوم به هاتان الحركتان من نشاط سياسي، وإذا ما تطور هذا النشاط اللوجستي فقد يؤثر ذلك على الوضع الأمني في دول الخليج العربي.