أصل المشكلة وجذورها!

TT

توزع مقتطفات بالفيديو لمشاهد تلفزيونية مصورة ويأتي معها التحذير والاعتذار المسبق بأن المشهد تصاحبه معزوفة موسيقية، ويطلب من المتلقي الاستغفار والسماح بالتجاوز عما حصل ولكن في ذات الوقت يجري إرسال مشاهد مقززة وإجرامية وحقيرة عن قطع رؤوس وتعذيب وتنكيل وكل ذلك يروّج له باسم الدين والجهاد والقتال في سبيل الله.

كيف يمكن أن يستوي في العقل السليم أن يكون الطرح الأول دينيا وأن يكون الطرح الثاني آتيا من نفس المنبع؟ حار المحللون والمنظّرون في محاولات تفسير ظاهرة بروز «داعش».. هذا التنظيم الإرهابي الذي تحول فجأة إلى العدو الأول للعالم، وبدأ الكثيرون في محاولات تقديم البراهين والأدلة على أن التنظيم الإرهابي هو صنيعة أجهزة المخابرات الدولية وعملائها، ولكن هذا الأمر لا يخفي أن التنظيم مليء بأبناء الدول الإسلامية والمتأثرين بالسموم والأفكار المنحرفة التي دمرت الروح والعقل والقلب وحولتهم إلى أدوات للقتل والتدمير.

مهما كانت الحجج وتفاسير نظريات المؤامرة فهي لا تمنع من وجود أرضية قوية لقابلية الإرهاب في المجتمع المسلم في العالم العربي اليوم، وهنا لب الكارثة؛ فالصعود المخيف لعدد غير بسيط من الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و«حزب الله» و«داعش» وغيرها من التنظيمات والميليشيات الموتورة والملتحفة بعباءة الدين، يشكل اليوم الخطر الفكري الأعظم الذي يهدد المجتمع العربي بل يشكل خطرا عالميا والذي من أسبابه التلوث الفكري في جانبيه السني والشيعي؛ فهناك نموذجا الخليفة والإمام اللذان يبحثان في الطرفين، والمثال هو عبارة عن حالة من الجنون السياسي والعلو والكبر غير المسبوق، ليس بها أي نوع من الاجتهاد الديني السليم ولا فقه المصالح والمقاصد ولكنه فكرة «مكيافيلية» بامتياز تبرر كل الغايات بكل الوسائل. المهم أنه ما دامت أعلنت الحرب على «داعش» أن ينال «حزب الله» نصيبه هو الآخر، لأن الحرب المحدودة والمختارة والمنقوصة على الإرهاب سيكون نتاجها علاجا ناقصا.

الإرهاب مشكلة عويصة، فبالإضافة للناتج الفكري هناك الإحساس بالنقص الاجتماعي والاقتصادي وأن «قطار الحياة» قد فاتهم وضاعت عليهم فرص الحياة بعيش كريم، فلا وظيفة مؤمنة ولا سكن ولا زواج وإحساس متواصل ومستمر بالظلم والنقصان والغبن، الأمر الذي يولد اليأس والقنوط وبالتالي اللجوء للحلول «الأخيرة» وهي الانتحار.

بنغلاديش بلد شديد الفقر ولكن لم يفرز أي إرهاب لأن فكره الديني سوي ووسطي ونهجه الاجتماعي عادل ومسؤول وبالتالي هناك أمثلة تؤكد أن الخلل الموجود مطلوب أن يعالج بإجماليه وليس فقط بجزء منه. المشكلة كبيرة جدا وعويصة ولليوم لم تجر مخاطبة أصل المشكلة من الجذور.