بوادر ظهور محور عربي

TT

المخاض العسير الذي مرت وتمر به الدول العربية منذ ما سمي بـ«الربيع العربي» إلى الآن ينبئ عن بوادر ولادة محور عربي جديد، فلا استقرار ولا تنمية للدول العربية ولا مسايرة مع تقدم وتطور الأمم الأخرى في العالم ونحن في حالة تشتت للموقف، ودون توحيد للموقف العربي المعتدل لن يحقق العرب أهدافهم، وأثبتت الأزمات والأحداث التي مرت بها الدول العربية ولا تزال أن العرب متى ما اشتدت بهم الأزمات التي تحيط بهم وتأزم الموقف فإن حالة من الانفراج السياسي تبدأ تأخذ طريقها متمثلة في توحيد الصف والكلمة، وما حدث من انفراج في الموقف بين بعض دول الخليج في علاقاتها مع قطر لهو أكبر دليل على ذلك، ومن جانب آخر أن ما يفرض قيام هذا المحور هو أنه تأكد بالدليل القاطع أنه لا ثقة للعرب في أي طرف أجنبي يدعي مساندة قضاياهم سواء كان دوليا أو إقليميا، فلا تنتظر الدول العربية ذلك لا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا من أميركا والدول الكبرى التي لا تبني مواقفها إلا على ما يخدم مصالحها الخاصة وأكبر دليل على ذلك موقفها من قضية الشعب السوري الذي لا يزال يذبح ويشرد والعالم يتفرج! إن غياب الدور العربي هو أهم أسباب ضعف العرب وتخلفهم وعجزهم عن مواجهة مشكلاتهم وتكالب دول محور الشر عليهم وأولاها إيران التي لا تزال تصدر مشكلاتها للدول العربية وتستغل الحالة التي تمر بها الدول العربية وبذلك أصبحت تنافس إسرائيل في عدائها للدول العربية.

ولذا ففي ظل تدهور الأوضاع في معظم الدول العربية، وتصاعد حالة الاستقطاب الطائفي وتزايد احتمالات انفجار حرب أهلية طائفية تهدد المنطقة العربية بأسرها، يوجه المحور العربي الجديد رسالة سياسية مهمة تعكس رغبة العرب المعتدلين في تكوين جبهة عربية، تصلح الخلل، وتحقق بعض التوازن في معادلات القوة في المنطقة التي اختلت بعد التقارب الأميركي الإيراني الصهيوني الأخير خاصة في ملف الأزمة العراقية وفي غيرها من الأزمات.

وهذا المحور العربي الذي بدأ يلوح في الأفق يرتكز على أكبر دولتين تعتبران قطبي هذا المحور العربي وهما السعودية ومصر، ويضم كذلك دول الخليج العربي بما فيها قطر وكذلك الأردن والمغرب، والهدف الأساسي لهذا المحور الجديد هو حل الأزمة السورية والقضايا العربية الأخرى مثل قضايا ليبيا والعراق واليمن للتفرغ لقضية العرب الكبرى وهي القضية الفلسطينية وخاصة بعد ما سمي بـ«الربيع العربي». إلى متى لا نزال نراوح نحن العرب والمسلمين مكاننا ونحن خير أمة أخرجت للناس؟ إلى متى تعاني شعوبنا العربية من الفقر والتخلف والبطالة والأمية؟.. هل الغير أفضل منا؟!

من المفروض علينا كدول عربية ألا تنحصر أجندتنا العربية في إرهاب «داعش» و«النصرة» وغيرهما من الجماعات المسلحة لأن من أوجد الإرهاب في المنطقة هو دول أجنبية وخاصة أميركا، فهي من أوجدت «القاعدة» في حربها في أفغانستان ضد روسيا وبدورها «القاعدة» هي من أوجدت كل هذه المنظمات الإرهابية ولذا فلتتحمل أميركا والدول الكبرى المسؤولية، أما أجندتنا العربية فهي أشمل من ذلك بدءا من إيجاد حل لقضية الشعب السوري وقضية إقصاء أهل السنة والجماعة في العراق الذين يواجهون الآن إرهاب «داعش» وغيرها من المنظمات المسلحة في الأنبار ويقفون ضد هذه الجماعات، وقضية اليمن حيث لا أحد يردع الحوثيين، وتنفيذ قوانين مجلس الأمن فيما يتعلق باليمن التي لا تأخذ طريقها للتنفيذ. والأهم قضيتنا الأساسية وهي قضية فلسطين وضرورة قيام دولة يعترف بها العالم. لقد سئمت الشعوب العربية الحوارات والمؤتمرات بينما هي لا تجد من نتائج تلك الحوارات والمؤتمرات ما ينعكس فعليا على الواقع إنما تجد العكس.

وهناك قواسم مشتركة بين دول هذا المحور أولها محاربة الجماعات الإرهابية التي ما هي إلا أدوات لدول أجنبية هدفها إيجاد حالة من عدم الاستقرار واستنزاف الأموال العربية كما يحدث الآن فيما يقوم به التحالف الدولي من استنزاف للأموال العربية وما تكرار الرئيس الأميركي القول بأن هذه الحرب ضد الإرهاب سوف تطول إلا إشارات للدول المشاركة بضرورة دفع الأموال، خاصة أن الأزمة المالية التي حدثت في أميركا لا يزال يعاني منها اقتصادها إلى اليوم.

والقاسم المشترك الثاني لهذا المحور هو الإسراع في إيجاد حل لقضية الشعب السوري الذي لا يزال يعاني من التشريد والمذابح وانتقال هذه الحرب إلى لبنان ومن يدري ماذا يحدث في لبنان. أصبحت سوريا خارج أجندة ليس الأمم المتحدة ومجلس الأمن فقط، إنما خارج الأجندة العربية!

لن تكون المهمة سهلة لهذا المحور وذلك بسبب أن تداعيات الربيع العربي لا تزال تعاني منها كثير من دول هذا المحور وخاصة مصر التي لا تزال في حرب مع الإرهابيين من فلول الإخوان المسلمين وجماعة أنصار بيت المقدس، ومصر قادرة على مواجهة كل ذلك.

إن قيام محور عربي ضرورة ملحة تفرضها معطيات الواقع العربي حيث كشف الربيع العربي عن كل من يريدون الدمار للأمة وظهرت الخلايا النائمة في كل الدول العربية التي أوجدتها إيران خلال سنوات الغفلة العربية التي استمرت طويلا، فهل يستطيع هذا المحور تحقيق أهدافه ويصل بالأمة إلى بر الأمان؟.. هذا ما سيكشفه المستقبل القريب!