قال أولاند: فماذا قلنا؟

TT

قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في خطابه بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو» (الأسبوعية) وأدى إلى سقوط 12 قتيلا: إن هؤلاء المتعصبين لا علاقة لهم بالدين الإسلامي، وإنه يجب التفرقة بينهم وبين الإسلام حفاظا على قيم الدولة الفرنسية.

الرئيس الفرنسي بكلامه هذا، يحاول ألا يوسع رقعة الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا والغرب. فهل يكفي هذا القول كي نعفي أنفسنا كمسلمين مما حدث، ونردد الكليشيهات المعروفة بأن هؤلاء قلة متطرفة ونحن منهم براء. وهل يكفي أن نردد أن الشرطي الذي قتله أحد المسلحين الإرهابيين هو مسلم أيضا، هل هذا النوع من الحجج يكفي ويعفينا من أي مسؤولية تجاه ما حدث؟

لقد قال هولاند ما قاله، فماذا نحن قائلون؟ وإن قلنا فماذا نحن فاعلون؟

أعرف كثيرا من المثقفين وأبناء الطبقة المتوسطة ممن يعيشون في الغرب ممن يرددون أننا لسنا إرهابيين ولا علاقة لديننا بالإرهاب، وأن المتطرفين قلة، وأننا كغالبية مسلمة تعيش في الغرب ندين الإرهاب. هذا صحيح، ولكن مثل هذه المواقف لا تكفي.

عندما أعادت «شارلي إيبدو» الرسوم المسيئة لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، والتي نشرتها صحيفة دنماركية من قبل، خرج الآلاف من المسلمين من باكستان إلى لندن محتجين ضد ما حدث، في أعداد غفيرة. وعندما ضربت أميركا العراق كانت ملايين من الغربيين يملأون الشوارع ويسدون عين الشمس، احتجاجا على الحرب، فكم منا خرجوا بنفس الأعداد والقوة سواء في باكستان أو في العالم العربي، مستنكرين الجريمة البشعة ضد الأسبوعية الفرنسية؟ فهل يكفي أن مائة مثقف منا أو كاتب و10 رؤساء وملوك أدانوا ما حدث؟

من وجهة نظري لا يكفي ولن يقتنع الغرب وغير المسلمين بأننا فعلا ضد الإرهاب، إلا إذا خرجت جماهير مساوية وغاضبة بنفس الدرجة التي خرجت بها يوم الرسوم المسيئة.

أنا شخصيا وكباحث سياسي مهتم بالمجتمعات الإسلامية، وليس مجرد شخص أو كاتب، مقتنع تماما أن لدينا كمسلمين مشكلة في تربية أبنائنا سواء في العالمين العربي والإسلامي أو في الغرب نفسه.

لدينا حقا مشكلة لأن تربيتنا وتفسيرنا لديننا وعدم إحساسنا بالمسؤولية، يدفع أبناءنا باتجاه التطرف وكراهية الآخر المختلف دينا وثقافة وربما عرقا. إن لم نعترف بأن لدينا مشكلة ينبغي معالجتها، وارتكن البعض فقط إلى مقولات زعماء غربيين يريدون لمجتمعاتهم الاستقرار ينفون صلة الإسلام بالإرهاب، فهذا لا يكفي. نعم لا علاقة بين الإسلام والإرهاب، ولكن هناك علاقة لا تخطئها العين بين الثقافة السائدة لدى المسلمين اليوم، وخصوصا الشباب والإرهاب، ولا مراء في ذلك. بداية الطريق لحل أزمتي العنف والتطرف هي الاعتراف أولا بأن لدينا مشكلة.

منذ أيام وفي الاحتفالات بالمولد النبوي طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأزهر بتجديد الخطاب الديني، وقال وهو يتحدث خارج الخطبة المكتوبة، إن لدينا مشكلة، فقد أصبحنا سببا في كثير من مشاكل العالم المعاصر. هذه بداية طيبة، ولكن متى سنتبعها بأفعال؟

أولا يجب أن نعيد التفكير في الخطاب الديني السائد حول مفاهيم مشتركة بيننا وبين بقية العالم المتحضر، وحول مبادئ المساواة مثل «الناس سواسية كأسنان المشط») «ولا فضل لعربي على عجمي..»، وكذلك حول مبادئ الحرية والمسؤولية الفردية، «من شاء فليؤمن..»، و«ولا تزر وازرة وزر أخرى»، أي نعيد التفكير في المبادئ الـ5 أو الـ10 الجامعة التي تجري في نصوصنا الدينية مجرى الدم في العروق، على أنها المبادئ الحاكمة، وليس غريب التفسير ووحشي الكلام، والقول مما يتبناه السفهاء على أنه جوهر الدين.

لا يكفي ما يردده أنصاف المتعلمين، وكل من كتب عمودا في صحيفة أو سطرين في وسائل التواصل الحديثة مدافعا عن براءة الدين من سلوك المسلمين، وهم يرددون ما لا يغني عن الحق شيئا.

لا يكفي الإدانة، ولا يكفي الحزن الوقتي، ما نحتاجه هو إصلاح «سوفت وير» المسلمين الذي كان المبرمج الرئيسي له هو مدارسنا وتلفزيوناتنا ومساجدنا، خصوصا تلك المساجد الصغيرة التي تتاجر في الممنوع كما متاجر الممنوعات. لا بد من تفكيك هذه المنظومة وإعادة تركيبها بشكل يتماشى مع الحضارة والقيم الإنسانية.

نعم قال هولاند، ولكن مربط الفرس هو ماذا قلنا نحن، وماذا نحن فاعلون كي يصدقنا العالم؟