الإبداع لا يسخر من أحد ولا يهين أحدا

TT

عندما تتجول في سوق الدنيا للإبداع الفني، ستجد الكاريكاتير هو ذلك الفرع من فروع الفن الأعلى سعرا. وذلك لندرة صناعه وقلة عددهم ولتأثيره المبهج عند عشاقه. وهو فن قديم قدم الزمان، ستجده يحتل مكانا واضحا في الرسومات الفرعونية القديمة. في بعض اللوحات القديمة على جدران بعض المناجم ستجد رسوما كاريكاتيرية رسمها العمال المشاغبون يداعبون بها رؤساءهم في العمل. تلك المداعبة التي يعبرون فيها عن إحساسهم بالضيق من هؤلاء الرؤساء. وعلى عكس ما هو شائع، فن الكاريكاتير لا يسخر من أحد ولا يهين أحدا، تماما كبقية فروع الفن.

إذا تخيلت الإبداع الفني بكل فروعه يشكل القوات المسلحة في مجتمع ما، فكن على ثقة أن وظيفة هذه القوات هي تحرير البشر والسير بهم في طريق الخير والحضارة. وهي الوظيفة الأساسية للإبداع الفني. إن ما يميز الكاريكاتير ليس الظرف أو خفة دم صانعه. بل قدرته على النفاذ إلى الحقيقة كما يراها الفنان بأسرع طريقة عرفها الإبداع. إنها النكتة وقد ساهمت في صنعها فروع كثيرة من فروع الفن، هي مشهد مسرحي وهي لقطة في فيلم وهي لوحة تشكيلية. أما أهم صفة لها فهي أنها «حكم» على واقع. وإذا كنا نقول على أحكام القضاء إنها عنوان الحقيقة، فالنكتة في الكاريكاتير أيضا هي عنوان الحقيقة، كما يراها الرسام. بعد أن تنتهي من قراءة هذا المقال، أطلب منك أن تنتقل إلى داخل الجريدة حيث صفحات الرأي، تأمل لوحة الكاريكاتير التي رسمها أمجد رسمي، والتي لا أعرف بالطبع محتواها، هل ترى فيها إهانة لشخص أو جماعة؟ استحضر في ذهنك رسوم الكاريكاتير التي أنجزها كل من تتذكر رسومهم، هل كان فيها إساءة أو إهانة لأحد؟ مستحيل.

إذا حدث وشعرت بالضيق عند رؤية رسم كاريكاتيري فالسبب في ذلك هو ضعف الفنان وقلة حيلته، وليس لأنه شرير يهوى إهانة الناس. لا يمكن اتهام فنان بأنه شرير أو مخرب أو تملؤه رغبة مرضية في إهانة البشر.. يمكن اتهامه فقط بالضعف الفني، وهذا أمر يملكه النقاد، ومستهلكو هذا الفرع من فروع الفن، لا توجد على الأرض قوة ترغمك على الإعجاب بمصنف فني رديء إلا في حالة واحدة وهي أن تكون أنت من عشاق الرداءة.

لقد حكمت علينا الأيام بأن نخوض عدة معارك في وقت واحد، وأن نقاتل ضد إرهاب التطرف في الداخل والخارج، هذا هو ما يجب أن نشرحه لأهلنا على كل الجبهات، هذا هو الوقت الذي نوضح فيه للعالم كله أننا نتألم لسقوط ضحاياه بنفس القدر الذي نتألم فيه لسقوط ضحايانا. هذا هو الوقت الذي يجب أن نعمل فيه على المزيد من الالتصاق ببلاد الغرب. هذا هو الوقت الذي يجب أن نضاعف فيه جهدنا لفهم الناس خارج بلادنا.

[email protected]