رصاصة عبد الوهاب في قلب الحكيم!!

TT

أول تراشق بين الأدب والسينما شاهدناه عربيا قبل 70 عاما عندما قدم المخرج محمد كريم من إنتاج وبطولة عبد الوهاب «رصاصة في القلب»، ويومها كان تعليق الصحافة «رصاصة عبد الوهاب أصابت قلب الحكيم»، حيث اتهم الشريط السينمائي بأنه يخون الرواية، من بعدها تعددت الضربات بين السينمائيين والأدباء.

قبل أيام احتفلنا بعيد الميلاد الـ80 للكاتب الكبير بهاء طاهر، حضور أديبنا في الدراما قليل جدا لا يتجاوز روايته الشهيرة «خالتي صفية والدير» شاهدناها مسلسلا ومسرحية، وعندما تحمس كاتب السيناريو وحيد حامد لتحويلها إلى فيلم سينمائي، اشترط بهاء أن يوافق أولا على السيناريو، ومن بعدها تعطلت لغة الكلام، والكثير من أعمال أديبنا الكبير الأخرى تعثرت سينمائيا.

في تعبير موحٍ عن العلاقة الشائكة بين القصة والفيلم قالوا إن على المخرج افتراس القصة الأدبية ليحيلها إلى معادل سينمائي.

توجد مدرستان في تعامل الأديب مع السينما، واحدة وضع قواعدها نجيب محفوظ، حيث إنه مسؤول فقط عن الرواية، بينما يوسف إدريس كان كثيرا ما يدخل في معارك قضائية مع المخرجين وكتاب السيناريو ويتهمهم بتشويه روايته، بعض الأدباء مثل غارسيا ماركيز تحمس تماما للسينما وقُدمت الكثير من رواياته مثل «الحب في زمن الكوليرا»، و«حكاية موت معلن» و«ذاكرة غانياتي الحزينات» وغيرها، ولكنه وضع خطا أحمر يمنع السينما من الاقتراب من روايته الشهيرة «مائة عام من العزلة» حتى يظل الجمهور يعيش فقط مع خياله الروائي.

هل السينما بحاجة إلى الأدب؟ إنه سؤال يبدو عند البعض يحمل إجابته في داخله وهي نعم السينما عندما تستند إلى الأدب تصل إلى ذروة آفاق التعبير، ثم إن الأدباء الكبار الذين استندت السينما إلى أدبهم لا تزال تحقق أفلامهم عادة القدر الأكبر من الإقبال الجماهيري.

لو أحصينا عدد الأفلام التي دخلت تاريخنا لوجدنا قسطا وافرا منها مأخوذا عن أعمال أدبية.. أكرر قسطا وافرا وليس القسط الأكبر.. وسوف أضرب لكم مثلا عمليا بالأرقام أهم 10 أفلام في تاريخ السينما المصرية طبقا للاستفتاء الذي تم أجراه «مهرجان القاهرة» عام 1995 هي «العزيمة»، و«الأرض»، و«المومياء»، و«باب الحديد»، و«الحرام»، و«شباب امرأة»، و«بداية ونهاية»، و«سواق الأتوبيس»، و«غزل البنات»، و«الفتوة»، الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هي «الأرض» عبد الرحمن الشرقاوي، و«الحرام» يوسف إدريس، و«بداية ونهاية» نجيب محفوظ.. أي أن النسبة لم تتجاوز 30 في المائة. وفي استفتاء أفضل 10 أفلام عربية، والذي أجراه مهرجان «دبي» عام 2013 احتفظوا بنفس النسبة أيضا «الأرض»، و«الكيت كات» عن رواية إبراهيم أصلان «مالك الحزين»، و«المخدوعون» عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»!!

القصة الروائية العظيمة ليست هي الوصفة السحرية لتقديم عمل فني ممتع، ولكن يظل المعيار هو قدرة المخرج على أن يمنح القصة الإحساس السينمائي الذي يجمع في داخله تفاعل الفنون الأخرى القصة، والمسرحية، والموسيقى، والشعر، والرسم، والعمارة، ولهذا أطلقوا عليها «الفن السابع».

لا أحد يضمن انتعاش السينما بمجرد حصولها على «تأشيرة» الدخول لعالم الأدب، نجيب محفوظ رغم تحفظه في الانتقاد لأي عمل فني مأخوذ عن رواياته فإنه خرج مرة واحدة عن صمته وتبرأ علنا وعلى رؤوس الأشهاد من روايته «نور العيون» بعد تحويلها إلى فيلم!!

من يفترس من؟ الروائي أم المخرج هذا هو السؤال وتلك هي المعركة الدائمة التي لا تنتهي ولم يتوقف التراشق بين السينمائيين والروائيين منذ رصاصة عبد الوهاب التي أصابت في مقتل قلب توفيق الحكيم!!