المساواة بين الأقليات (4)

TT

«الخط الهمايوني» تشريع عثماني، صدر في سنة 1856م لتحقيق المساواة بين الاقليات غير المسلمة في الدولة العثمانية وبين الاغلبية المسلمة، انصافا لهذه الاقليات ـ الملل ـ وسد الثغرات في وجه التدخل الاستعماري الذي كانت القوى الاستعمارية تسعى اليه من «ثغرات الاقليات» على النحو الذي تصنعه امريكا اليوم بواسطة قانون الاضطهاد الديني! ولأن كلمة «الخط الهمايوني» تبدو للقارئ المعاصر غريبة، بل ومخيفة ـ ومعناها الاصلي القانون الشريف ـ فلقد احترف البعض «تجريس» مصر حكومة وشعبا، بدعوى انها مازالت تطبق هذا الخط الهمايوني على الاقباط، حتى بعد زوال الدولة العثمانية، واستقلال مصر في الفقه والتشريع. واذا كان الذي يحترف الكذب الفردي سيهوي في جهنم سبعين خريفا، فما بالنا بالكذب الجماعي ـ على الامة ـ وعلى العالم؟! وما بالنا اذا كان هذا الكذب الجماعي مركبا؟

إن مصر قد حققت استقلالها في التشريع والقانون، ليس من تاريخ استقلالها عن الدولة العثمانية فقط، وانما منذ دولة محمد علي باشا، أي قبل نصف قرن من صدور الخط الهمايوني العثماني، ولقد سجل هذا الاستقلال «في العدل والحقانية» بمعاهدة كوتاهية سنة 1833، ومعاهدة لندن سنة 1840، وفرمان اول يونيو (حزيران) سنة 1841 وفرمان 8 يونيو سنة 1867، ولم يكن الخط الهمايوني ـ ولا كل القوانين العثمانية ـ سارية بمصر طوال ذلك التاريخ، ثم ان اقباط مصر لم يعاملوا ـ طوال تاريخ مصر العثمانية ـ معاملة الاقلية، ولم يطبق عليهم «قانون الملل» العثماني، لانهم كانوا طوال ذلك التاريخ جزءا اصيلا في نسيج الشعب المصري، ويشهد بذلك المهندس سمير مرقص فيقول: لا ان الاقباط ليسوا اقلية، وحتى في اطار الدولة العثمانية لم يورد الاقباط كأقلية، ولم تنطبق عليهم قضية «الملة»، مقارنة بكل الاقليات في الدول التابعة حينذاك للدولة العثمانية (سعد الدين ابراهيم «الملل والنحل والاعراق» ص 525).

فلا الأقباط كانوا اقلية في يوم من الأيام حتى يطبق عليهم الخط الهمايوني ـ في ظل الدولة العثمانية، ناهيك عن ما بعد سقوطها، ولا الخط الهمايوني ـ وكل القوانين العثمانية ـ كانت مطبقة في مصر، منذ اوائل القرن التاسع عشر، ومع ذلك، رأينا ونرى كل اعداء الوحدة الوطنية المصرية، من القلة العميلة في اقباط المهجر، الى اللوبي الصهيوني في امريكا إلى التحالف المسيحي في الكونجرس الامريكي، الى تقارير الخارجية الامريكية عن مزاعم الاضطهاد المصري للأقباط ـ ومع كل هؤلاء: مراكز «البحث» التي يمولها الغرب، لاثارة وتحريك الاقليات في مصر والعالم العربي والاسلامي ـ كل هؤلاء قد تم اجماعهم واجتماعهم على الكذب الفاضح والبواح، فادعوا ويدعون ان هذا الخط الهمايوني، لايزال حاكما لأقباط مصر حتى الآن؟ واذا كان من الكذب ما يبلغ حد «الملهاة ـ العبثية» فلقد قرأت ـ من نماذجه ـ يوما في صحيفة «العربي» حديثا لمحام اسمه «نخلة»، اعترف بأن هذا الخط الهمايوني غير موجود في مصر الآن، ومع ذلك كان حديثه هذا بمناسبة «قضية» قد رفعها على الحكومة لإلغاء هذا الخط الهمايوني، غير الموجود! وصدق الله العظيم (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون).