كلهم على صواب

TT

اذا كنت من هواة مشاهدة التقاذف بالشتائم، فليس امامك الا متابعة محطات التلفزة اللبنانية، التي اصبح بعضها يبث فضائيا ولله الحمد. فوجبة «الردح الايديولوجي» و«الرندحة السياسية» التي تقدمها الشاشات الفضية اللبنانية للمشاهد كل ليلة، تغنيه عن السعي لتلبية متعته «التشاتمية» في الازقة والحارات او ما يصطلح على تسميته بـ«قاع المدينة». فالمادة التلفزيونية اللبنانية تغني قاموسها كل يوم بمزيد من المصطلحات والتوصيفات التي لا يمكن اعادة نشرها تجنبا لمؤاخذة قانونية من هنا أو هناك.

ولا يظنن احد، انني بهذه المقدمة اتخذ موقفا اخلاقيا من هذا الاستعراض الانتخابي الليلي الذي يشهده ويشاهده اللبنانيون وغيرهم بحكم القرابة والصلة.

فالدعوات التي يطلقها بعض كتاب الاعمدة في الصحف اللبنانية لوقف ما يسمونه الابتذال، لا يمكن اعتبارها موقفا اخلاقيا، بقدر ما هي امتداد للعبة التعمية التي سادت طوال سنين بحق الوطن والمواطن. فالحملات «المسعورة» بحسب ما يسمونها، ظلما، انصفت المواطن لاول مرة في تاريخ لبنان بأن وضعت امامه الحقيقة عارية.

نعم، ان كل الشتائم والسباب الذي يطلقه السياسيون اللبنانيون، المرشحون منهم والمستنكفون، ضد بعضهم البعض هو صحيح مائة في المائة. وكل الفضائح التي تتكشف يوما بعد يوم هي الحقيقة بعينها والتي لا يمكن سترها بأي موقف اخلاقي او تعفف لساني.

اني ادعو هؤلاء السياسيين المرشحين الا يستجيبوا لاي من دعوات الهدنة الفاشلة، التي جربناها طوال محنة الحرب الاهلية، والتي يحاول بعضهم اليوم اذاقتنا مرارتها مرة اخرى في الحرب الاعلامية.

اني اوجه نداء الى كل السياسيين المرشحين والمستنكفين ان: ابقوا وراء متاريسكم الاعلامية، ودافعوا عن حصونكم التلفزيونية، ولا تستجيبوا لمساعي التهدئة والوفاق والمحبة، فليس بذلك يحيا لبنان! ولعلني انطق في هذا النداء، باسم كثير من الشرائح، التي لم يحاول احد من المرشحين ادعاء تمثيلها: باسم المعاقين والمعوّقين والمشوّهين، باسم ضحايا التلوّث البيئوي والتلفزيوني من مرضى القلب والضغط والسكري، باسم الكندرجية وماسحي الاحذية، باسم سواقي الاوتوبيسات الرسمية والخاصة (جحش الدولة وجحوش الشركات)، باسم مستحقي الزكاة والمساعدات من هيئات الاغاثة الاسلامية ومجلس الكنائس العالمي، باسم اهل «الباشورة» (مقبرة رئيسية وشهيرة في بيروت) وكل «باشورة» لبنانية، سواء من الساكنين الحاليين او المرشحين لدخولها في القريب العاجل.. باسم كل هؤلاء، ادعوكم لان تستمروا في تشاتمكم لانكم كلكم على صواب، ولأنه الحقيقة الوحيدة الساطعة في حياتنا السياسية!