حذار.. جليد الأرض يذوب... وبسرعة!

TT

إذا استمرت كتل ثلوج الهمالايا في الذوبان ستتأثر غالبية مناطق آسيا بنقص في المياه أثار اكتشاف مياه في القطب الشمالي مؤخراً بواسطة كاسحة جليد دهشة الكثيرين في الدوائر العلمية، اذ أن هذا الاكتشاف لا يعتبر فقط دليلاً جديداً على ذوبان الغطاء الثلجي للأرض وانما يعد كذلك تأكيداً على السرعة المتزايدة لعملية الذوبان. يضاف الى ما سبق أن دراسة أجراها عالمان نرويجيان أشارت الى أن المحيط القطبي ربما يصبح خلال خمسين عاماً خالياً من الثلوج في فصل الصيف. وأشارت دراسة أخرى أجراها فريق مكون من أربعة علماء أميركيين الى أن السطح الثلجي الشاسع لجزيرة جرينلاند بدأ في الذوبان كذلك.

لا تعتبر توقعات فقدان المحيط القطبي لكل سطحه الثلجي خلال فصل الصيف مفاجأة، اذ أن دراسة سابقة أشارت الى أن سمك الغطاء الثلجي تراجع بنسبة 42 في المائة خلال العقود الأربعة السابقة كما أشارت دراسة أخرى الى أن مساحة الغطاء الثلجي تراجعت بنسبة 6 في المائة. عمليتا الانكماش وتقلص المساحة أدتا الى تراجع الكتلة الثلجية للمحيط القطبي بنسبة 50 في المائة تقريباً.

وفي نفس الوقت فان كميات الثلج ازدادت في المناطق المرتفعة بجزيرة جرينلاند لكنها فقدت كذلك كميات أكبر في المناطق المنخفضة وعلى وجه الخصوص على طول سواحلها الجنوبية والشرقية. وبذلك تشهد جزيرة جرينلاند، التي تبلغ مساحتها 2.2 مليون كيلومتر مربع، فقدان 51 بليون متر مكعب من المياه كل عام، أي أنها تفقد ما يساوي كمية المياه التي تجري سنوياً عبر نهر النيل. يتعرض القطب الجنوبي كذلك الى فقدان كميات كبيرة من الثلوج. وعلى العكس من القطب الشمالي، الذي يغطيه البحر القطبي، فان القطب الجنوبي تغطيه القارة القطبية الجنوبية التي تقارب مساحتها مساحة الولايات المتحدة الأميركية. ورغم أن السطح الثلجي للقارة القطبية الجنوبية مستقر نسبياً، فان مساحات هذه الأسطح التي امتدت الى البحار المجاورة بدأت في الاختفاء بسرعة ملحوظة. وتأتي هذه التطورات عقب تقرير علمي نشره فريق مكون من علماء أميركيين وبريطانيين عام 1999 ورد فيه أن الطبقات الثلجية في جانبي القطب الجنوبي آخذة في الانكماش والتراجع، اذ فقدت خلال فترة نصف قرن حتى العام 1997 مساحات تصل الى سبعة آلاف كيلومتر مربع بسبب تفكك السطح الثلجي. وخلال فترة عام واحد فقدت ثلاثة آلاف كيلومتر مربع أخرى. ويعزو العلماء الذوبان المتزايد للثلوج الى ارتفاع الحرارة في المنطقة بنسبة 2.5 درجة مئوية منذ عام 1940. وتشير دراسة أجرتها الباحثة ليزا ماستني الى أن الثلوج تتعرض الى الذوبان في كل مكان وبمعدلات متزايدة. تشهد الكتلة الثلجية والجليدية في سلاسل الجبال الرئيسية في العالم ذوباناً وتراجعاً غير مسبوقة، اذ تشمل هذه الظاهرة جبال روكي والانديز والألب وهمالايا. يضاف الى ما سبق أن عدد الأنهر الجليدية تراجع من 150 عام 1850 الى أقل من 50 في الوقت الراهن، كما أن مسحاً جغرافياً أميركياً أشار الى احتمالات اختفاء الأنهر الجليدية المتبقية خلال فترة العقود الثلاثة المقبلة. ففي مرتفعات الانديز ببيرو يشهد نهر كيلكايا الجليدي تراجعاً ازداد من ثلاث أمتار سنوياً خلال الفترة من 1970ـ 1990 الى أكثر من ثلاثين مترا سنوياً ابتداء من العام 1990. ويتوقع العلماء اختفاء الأنهار الجليدية القديمة في منطقة جبال الألب خلال فترة الخمسين عاماً المقبلة. ولا تعتبر مناطق جبال الهمالايا استثناء، اذ أن تراجع مساحات الكتل الثلجية لا يزال مستمراً وبمعدلات كبيرة. ففي منطقة شرق الهند شهد نهر دوكرياني داماك الجليدي تراجعاً في المساحة وصل الى عشرين متراً خلال عام 1998 فقط.

يعتقد المهتمون والباحثون في هذه الظاهرة أن ما يحدث لا يعتبر مفاجأة، اذ أن العالم السويدي سفينت آرهينيوس حذر مطلع القرن السابق من أن عمليات حرق الوقود الأرضي ربما ترفع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو. ويذكر أن نسبة ثاني أكسيد الكربون التي كانت تقدر بحوالي 280 جزءا في المليون قبل الثورة الصناعية ارتفعت الى 368 مليون جزء في المليون عام 1999. ومع ازدياد تركيز ثاني أكسيد الكربون ازدادت درجة حرارة الأرض بمعدلات كبيرة، اذ يرى العلماء أن ازدياد درجة الحرارة بهذه المعدلات يزيد كميات الأمطار الساقطة ويؤدي الى تراجع تساقط الجليد. اما النتيجة فتتمثل في ازدياد نسبة الفيضانات خلال فصل الأمطار مع تراجع ذوبان الثلوج التي من المفترض أن تغذي الأنهار خلال فصل الجفاف. واذا استمرت كتل ثلوج وجليد الهمالايا في الذوبان، فان معظم مناطق القارة الآسيوية ستتأثر بنقص في كميات المياه خصوصاً ان كل انهار المنطقة، مثل اندس وجانجس وميكونج ويانكتيز، تنبع من الهمالايا. لقد ارتفع مستوى سطح البحر خلال القرن العشرين بمعدل يتراوح بين 20 ـ 30 سنتمتراً، كما أن النماذج المناخية خلال هذا القرن الراهن تشير الى أن الارتفاع قد يصل الى مائة سنتمتر مستقبلاً. كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر ربما يصل الى سبعة أمتار اذا ذاب تماماً السطح الثلجي لجزيرة جرينلاند. ربما تتأثر كذلك مناطق السهول الآسيوية حيث يتم انتاج معظم محصول الأرز. وحسب تحليلات واحصائيات البنك الدولي، فان أي ارتفاع لسطح البحر يصل الى متر تقريباً سيؤثر سلباً على نصف الأراضي المزروعة بمحصول الارز في بنغلادش، بل وربما تؤدي هذه الأوضاع المناخية الى تشريد ملايين الأشخاص في دول مثل الصين والهند وبنجلاديش واندونيسيا وفيتنام والفلبين. اما الجانب الأكثر اثارة للانزعاج فيتمثل في أن ذوبان الثلوج يمكن أن يزيد ارتفاع حرارة الجو، كما ان انكماش كتل الثلج والجليد يؤدي الى نقص ضوء الشمس المنعكس في الفضاء مع امتصاص كميات زائدة من ضوء الشمس بواسطة أسطح أقل قدرة على عكس أشعة الشمس. اننا على مستوى العالم كله، يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي ازاء ما يحدث فما يزال امامنا وقت يمكن خلاله معالجة كميات ثاني أكسيد الكربون في الجو، وذلك قبل أن تخرج التغيرات المناخية عن نطاق السيطرة. هناك كميات كافية من الرياح والطاقة الحرارية التي يمكن أن تستخدم لتعزيز اقتصاد العالم. بيد ان الخروج من هذه المأزق يتطلب مجموعة من الخطوات، أهمها ضرورة أن تتجه الاستثمارات صوب ترقية مصادر الطاقة البديلة التي لا تؤثر سلباً على البيئة والمناخ العالميين، ويجب ان نشير في هذا الخصوص الى ان هناك شركات لصناعة السيارات اتجهت الى انتاج مركبات تعمل بالهيدروجين للمساهمة في تخفيف الآثار السلبية على النظام المناخي العالمي.

* رئيس معهد «وورلد واتش» في واشنطن ـ خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»