«التحشيش السياسي»!

TT

على خلفية شعار «الحقوق المنقوصة» الذي كان رفعه رئىس الديوان الملكي الاردني الاسبق عدنان ابو عودة، وهو اردني من اصل فلسطيني وفقا لمصطلحات السنوات الاخيرة، تسود الاردن الآن اجواء غير مريحة في اعقاب توزيع مذكرة «مضادة» حملت اسم التيار الوطني الاردني، لكنها لم تحمل أي توقيع.

هذه المذكرة التي تقع في 19 صفحة تناولت قضية العلاقات الاردنية ـ الفلسطينية الحساسة جدا، بينما المفاوضات محتدمة حول قضايا المرحلة النهائية ومن اهمها قضية اللاجئين، بنفس اقليمي يشبه ذلك النفس الاقليمي البشع الذي اتسمت به تحليلات وكتابات الذين ايدوا شعار عدنان ابو عودة الآنف الذكر الذي جاء تلخيصا لدراسة مطولة كانت اعدت لحساب احد مراكز الدراسات الاميركية المعنية بقضية الشرق الأوسط.

لا يوجد شيء اسمه «التيار الوطني الاردني» على خريطة الاحزاب والقوى السياسية الاردنية المرخصة وغير المرخصة، وهذا يؤكد ان المذكرة المشار اليها تقف خلفها مجموعة اقليمية، يعرفها الذين يتعاطون بالشأن العام، تشبه تلك المجموعة الاقليمية الأخرى المعروفة تماما التي تحلقت حول شعار «الحقوق المنقوصة».

ولمزيد من الايضاح تجدر الاشارة الى ان الاردن يعاني منذ احداث ايلول الشهيرة في عام 1970 من بروز منطقين متصادمين احدهما موغلٌ في اقليميته الفلسطينية والثاني موغل في اقليميته الاردنية، لكن من حسن الحظ ان هذين المنطقين ينحصران في قشرة طُفيلية ثانوية في اوساط الذين يعتبرون انفسهم في طليعة الشريحة المثقفة.

لا يوجد أي امتداد لهذين المنطقين المتصادمين خارج ديوانيات «التحشيش الفكري والسياسي» في احياء عمان الغربية الراقية، فالاردنيون بغض النظر عن منابتهم واصولهم يشغلهم في مخيماتهم وفي قراهم ومضاربهم وفي احزمة الفقر التي يعيشون فيها هاجس آخر غير هذا الترف الفكري وهو هاجس لقمة العيش وحبة الدواء واقلام الرصاص للاطفال الذين يتوجهون في كل يوم الى مدارسهم.

هناك مجموعات مفلسة تدعي الثقافة تعيش كالطفيليات على مجرى نهر المجتمع الاردني، وهناك سياسيون ذاقوا طعم حلاوة الحكم ويعتقدون ان من حقهم البقاء في مواقعهم الى الأبد، ومن المهد الى اللحد، وهؤلاء جميعا تحلقوا حول معزوفة اقليمية كريهة بعضهم جعل عنوانها «الحقوق المنقوصة» والبعض الآخر جعل عنوانها «الاردن للاردنيين».

كل دول واوطان العالم تعاني مما يمكن اعتباره مشكلة جهوية أو طائفية وهذه المشكلة موجودة حتى في الدول التي نعتبرها متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمهم في مثل هذه الحالات ان تبقى الامور تحت السيطرة وان لا تتجاوز قشرة المجتمعات الى لُبها، وبالنسبة للاردن فإن كل شيء تحت السيطرة وان الشعب لا تشغله هذه الترهات التي يتقاذفها أدعياء الثقافة والطفيليون كالكرة الملتهبة.