المغامر الفشار

TT

قبل ردح من الزمن قدمت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني برنامجا وثائقيا مثيرا عن لورانس العرب الذي كان في بداية القرن ومنتصفه اشهر من تشرشل.

ويستند الفيلم الى السيرة التي كتبها عن لورانس الكاتب مايكل اشر المعروف بدقته وتدقيقه، وهذا يعني ان معلوماته ذات قدر لا يستهان به من المصداقية.

ويتهم فيلم القناة الرابعة لورانس علنا بالكذب. فقد تتبع مايكل اشر حياته في رحلتين واحدة حملته الى بادية الشام، والثانية ذهبت به من سيناء الى العقبة، وفي الطريقين اللذين سلكهما لورانس من قبل اثبت اشر ان مواطنه كان فشارا من الطراز الاول، وان فشره يصل الى حدود الكذب الصريح، فالمسافة في الرحلة الثانية التي زعم لورانس انه قطع خلالها مسافة 150 ميلا على ظهور الجمال في 49 ساعة تحتاج الى ضعف تلك المدة على الاقل.

ولم تكن تلك الكذبة الوحيدة، فكاتب سيرة لورانس يشكك في حكاية اغتصابه من قبل الاتراك في بلدة ديرة السورية ويعتبر تلك الحكاية من بنات خيال ذلك المغامر الذي لم يكن يفرق بين الواقع والفانتازيا، فربما كان يحلم بالاغتصاب فحسب كما يعتقد اشر الذي يحلله نفسيا وتاريخيا.

وكالعادة ظهرت خلال الفيلم صورة لورانس التقليدية بالملابس العربية، وهي خلطة من ملابس الخليج العربي، وبلاد الشام. وليس جديدا ان يظهر لورانس في الافلام وعلى الشاشتين فقد احتفى به التلفزيون منذ ظهوره واستضافته السينما في اكثر من فيلم أشهرها فيلم ديفيد لين الذي قام ببطولته بيتر اوتول، وهو الفيلم الذي جدد رومانسية الشرق في الاذهان الغربية، انما الجديد في فيلم القناة الرابعة عن لورانس هو تلك الجرأة في انتقاد رمز محبوب عند البريطانيين والغربيين الذين يكنون ودا خاصا للرحالة والمستكشفين.

وقد سلط الفيلم المستند الى سيرة غير متعاطفة الضوء على ما يسمى قصة الحب الوحيدة في حياة لورانس الذي وقع كما يزعمون في حب صبي سوري من بادية الشام اسمه سليم احمد ولقبه داهوم.

وقد أحب لورانس في خادمه وسائس دوابه البراءة التي لم تلوثها المدنية، وهنا يمكن القول ان هناك بعض القرائن التي تدعم هذه القصة، فقد اهدى لورانس كتابه الشهير (اعمدة الحكمة السبعة) الى شخص مجهول رمز إليه بالحرفين اللاتينيين A.S وظن الناس وقت صدور الكتاب انه انثى لكنهم وبعد ان تكشفت حكايات الشذوذ في حياة ذلك المغامر البريطاني اتجهوا بانظارهم الى احمد سليم ذلك البدوي البسيط الذي كان مخلصا للورانس في إطار عمله ولا احد يعرف على وجه اليقين كيف تطورت العلاقة على الصعيد الشخصي الحميم.

ولا يؤيد فيلم القناة الرابعة عن لورانس اقوال الذين يزعمون انه كان مؤيدا للقضايا العربية، وانه غضب بشدة حين حنث الحلفاء بوعودهم للعرب بعد نصرهم في الحرب العالمية الاولى، فالواقع وكما يؤكد الفيلم ان لورانس كان يعرف ان البريطانيين والفرنسيين لن يمنحوا العرب استقلالهم بعد هزيمة الاتراك ومع ذلك لم يكن شريفا ولم يخبرهم بما يحاك خلفهم في الكواليس من دسائس ومؤامرات.

وهذه النقطة بالذات يجب ان تهم العرب، فحكاياته العاطفية وشذوذه شأن شخصي اما الجانب السياسي في حياته الذي ارتبط بالتاريخ العربي الحديث، فهو الذي يحتاج الى توثيق دقيق تلفزيونيا وهذا بكل اسف لم نفعله لان القطاع الخاص لا يساهم في هذه النوعية من الافلام اما الدول فتواصل نومها العميق عن هذه القضايا التي لا تعتبرها ذات قيمة.

وليس المطلوب من الحكومات المعنية ان تمول فيلما وثائقيا عن لورانس، فكل ما يريده منها أي مغامر تلفزيوني غير فشار ان تفتح خزائنها، وتسمح له بالاطلاع على وثائق تلك المرحلة التي اكلتها القرضة وغطاها الغبار، وعندها فقط، وحينما تتوفر المادة الوثائقية يمكن الحديث عن الافلام والاحلام.