مهلا شارون.. عفوا دعاة الاعتدال والسلام

TT

إذا لم تدركنا رحمة ربنا فهي الكارثة والخاتمة لنا ولكم لا محالة بكل أسف وصراحة نحن العرب تبهرنا العقلية اليهودية الخارقة عدو نفسه وعدو قومه آرييل شارون.. اعلمك ان ايام الهزائم والانكسارات الموجعة في تاريخنا العربي المعاصر والمخزي لا تحصى ولا تخفى على احد ولكن الذي لا تعرفه وهو يسرك بالطبع ان اطول ليلة في تاريخ الهزائم العربية واكثرها وجعا وجزعا وذلا وألما هي تلك الليلة التي مارس فيها جيشكم المحتل الذبح الوحشي بحق صغارنا وهم يمارسون لهوهم الطفولي والمتاح برمي الحجارة في ما بينهم على ارصفة طرقاتهم وشوارعهم الخلفية بعيدا عن تل أبيب وشوارعها.

آرييل شارون.. ليبلغ الحبور عندك ذروته والغبطة مداها، ايضا اهنئك على ما فعلت من حمق منقطع النظير اذ لا يذكر التاريخ الاسود ان الأمة العربية تجرعت الذل والهوان دفعة واحدة ولحظة بلحظة وآنا بآن وجمرة بجمرة اصطلت اقصى اكبادنا كتلك الليلة التي شاهدها العالم معنا وتلك الهمجية وهي ترتكب ابشع جريمة عرفتها الانسانية المعاصرة في حق الطفولة والبراءة وعلى مرأى ومسمع من العالم المتحضر الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها عند الاعتداء على وحش مفترس بين الاحراش، فما بالك بقنص طفل في احضان والده الاعزل والاصرار على ذلك والتهديف عليه مرات عديدة ليبلغ التعذيب مداه واللذة لدى جنودكم ذروتها، علما بان الصورة فضحت امكانية تلافي قتله اكثر من مرة وان هناك اكثر من فرصة لكي يعيش الصغير ولكنه القدر ولا نقول الصدفة او التوقيت الزمني ضرب لكم موعدا مع العالم ليكشف زيفكم وادعاءكم بأنكم وحدكم المتحضرون بين مجموعة من الوحوش الضارية، كما جاء وللاسف الشديد على لسان جنرالك ورئيس حكومتك السيد (ايهودا باراك) وهو يبرر لشعوب الغرب الاوروبي فعلتكم الشنعاء محاولا طمس الحقيقة وامتصاص غضب الناس الطيبين الساخطين في اوروبا على ذلك المشهد الذي تجاوزت وحشيته سلوك البشر.

آرييل شارون: تاريخك الاجرامي مسجل ومحفور في ذاكرة الشعب العربي وقائمة جرائمك التي ارتكبتها بحق شعبنا ستحاسب عليها بلا شك ولن تفلت منها ابدا. وسنحاول جميعا تقديمك ليد العدالة الدولية ان على المستوى الرسمي او على المستوى الشعبي وسنقض مضجعك ونحيل حياتك الى جحيم مقيم وكابوس يطاردك في صحوك ومنامك ولن يهدأ لنا بال حتى تمثل امام محكمة العدل الدولية اسوة بالمجرمين العتاة الذين ارتكبوا الجرائم بحق البشرية، ونحن بدورنا نلعن الظروف التي جعلتنا نستعين بغيرنا ليأخذ بثأرنا والزمن الرديء الذي جعل من امثالك جلادا للعرب.

آرييل شارون.. انت قرأت التاريخ بانتقائية عنصرية بلا شك ولكن مهما حاولت ان تنتقي او تشيح بوجهك فلا بد انك مررت بتاريخنا المجيد يوم كانت الدنيا لنا حيث يومها لم يمنعنا احد عنكم ولم تأخذوا منا الا وقت صلاة العصر واصبحتم بعدها شيئا منسيا.

عفوا دعاة السلام.. انا لا اهدد شعب اسرائيل ولا المح الى ذلك لأن ذلك ليس من طبعنا ونحن قد اخترنا السلام وفاوضناكم عليه، ولكن أليس من حقي وحق كل عربي ان يتباكى على تاريخ مضى وعصر ولى كان لأجدادنا شرف القوة والريادة فيه وانتم اليوم ماضون في تحقيق (ميثولوجيا) اسطورة خرافية ابتدعتها عقول عجائز حاخاماتكم في ثنايا التلمود الملفق.

ولم تستحوا في مواصلة تحقيقها على ارض الواقع وعلى حساب الغير ومخاطبة العالم المتحضر والتبشير بها، اذ بزعمكم انه لم تبق إلا بشارة البقرة الحمراء التي ستولد على ارض فلسطين (وقد تخدمكم الهندسة الجينية بالاسراع او التسريع بظهورها) وقد ضلكم زمانها في عصر الفضاء والانترنت ولا استبعد ان يستحيل شارون الى تلك البقرة المقدسة يوما ما، فلا عجب فأنتم اليهود اصحاب الخرافات والخوارق المصادمة للعقل والمنطق السليم. شارون هذه الايام مشغول وغارق حتى اذنيه لتحقيق طموحه ومجده السياسي الشخصي على حساب شعبه ومكتسبات كيانه الصهيوني، والعتب كل العتب واللوم كل اللوم على من اختار منكم ومن شعبكم السلام حلا معنا وجعله الخيار الاستراتيجي الذي سعى من اجله سنين طويلة لتحقيقه، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح واستنكار كيف تجرأ هذا الموتور وداس على رغباتكم والغاكم من الارادة الوطنية الاسرائيلية بمصادرته حقوقكم الدستورية وتكلم باسم الجميع وهدم جسورا دفع العقلاء منا ومنكم ثمن اقامتها من دمائهم وارواحهم (السادات ـ رابين) لكي تعيش الاجيال بسلام، اقول كيف سمحتم لشخص واحد ان يختزل حياة وارادة شعب كامل بطموحه الشخصي ويعصف بأمتكم ومكتسباتها المغتصبة ان جاز ولم يخدش ضمائركم التعبير.

ارجو الا يفهم من هذا اننا نستجدي حقوقنا والسلام من احد، فصراعنا معكم ومع العالم الذي لم ينصفنا دليل كاف على قوة بأسنا وصبرنا وانتم تعلمون قبل غيركم ان الحل السلمي لم يكن خيار اكثرنا ولكن مع الايام والتمهيد المضني والمكلف جعل العرب يبتعلون فكرة الحل السلمي معكم بصعوبة ونكد واصبحت الفكرة مع الالحاح المتواصل من المعتدلين ودعاة السلام مقبولة لأكثرنا ولكن هذا لا يمنع من وجود امثال شارون بيننا ان لم يكونوا اخطر واعنف، وفكرة ازالتكم من الوجود ما زالت تسمع، وهذه الايام بالذات زادت وتيرة هذه النغمة وزاد صداها في وطننا العربي بفضل تداعيات دخول الاحمق شارون باحة المسجد الشريف. وقبل هذا وذاك فالسلام مطلب عالمي ملح، فالعالم ملّ منا ومن احترابنا المستمر، لذا خضعنا للرغبة الدولية وقبلناكم على مضض كشريك في السلام والعيش المشترك.

وحيرتي استطالت حينما انقلبتم على عملية السلام، فرغم انكم في وضع جيد بالنسبة للحرب والسلام، والغبن والظلم كله يقع بجانب الطرف العربي إلا انكم كفرتم بهذه النعمة وضحيتم بكل تلك المكتسبات التاريخية وبطريقة دراماتيكية وغير مفهومة حتى هذه اللحظة إلى ان احلناها او حاولنا تفسيرها داخل تلك الاسطورة الحاخامية التلمودية او رغبتكم بالتيه والضياع المستمر لشعبكم فأنتم احرار ولا احد يجبركم على العيش وعدم الانتحار.

دعاة السلام.. اصوات معتدلة ومحبة للسلام في عالمنا العربي قد سكتت سواء كانت حكومات او تنظيمات حزبية وسياسية او شعبية او حتى افراداً عاديين، ومنهم كاتب هذه السطور حيث كنت من المتحمسين لعملية السلام بل والتطبيع الكامل معكم ونحن حتى هذه اللحظة لا نعرف كيف استطعنا نحن الكتاب العرب ان نصادم مشاعر شعوبنا المنكوبة بتجديفنا في المحظور او كما نسميها بالخطوط الحمراء بيننا وبينكم حيث راهنت شخصيا على شعبكم بمقالة نشرت لي منذ فترة اكدت فيها ان عدم الاتصال بكم او فتح شيء من العلاقة المباشرة معكم كان خطأ جسيما ارتكبناه، وان التصدي للتطبيع معكم كان ورقة تفاوضية خاسرة بل وسياسة فاشلة وعلينا اعادة النظر فيها من جديد وكان صداها طيبا ومريحا حيث قيل لي ان بعض الصحف الاسرائيلية نشرت فحواها وهذا الاهتمام لم يأت من عمق في التحليل او دقة في معلوماته الاستخباراتية او وزنه السياسي لقربه من صناع القرار وهذا فخر لا ادعيه بقدر ما هو اهتمام بالفضاء الذي انطلقت منه تلك الدعوة حيث كان هذا الفضاء عمقا لم تكن اسرائيل تحلم بالوصول اليه او التأثير عليه يوما وهذا بحد ذاته خطوة كان عليكم قراءتها جيدا لتعرفوا المدى الذي وصل اليه صوت السلام، والآن هل عرفتم سبب غضبنا (نحن المعتدلون ودعاة السلام في العالم العربي) هو بالطبع التفريط المريع بهذه المكاسب وضياع جهد اخذ منا ومنكم الشيء الكثير والذي يصعب بعد اليوم تكراره وعلى نفس الوتيرة وبالآلية نفسها التي كان يسير عليها من قبل، فالثقة بيننا وبينكم ليست على ما يرام والسبب يعود لسكوتكم المريب وتشجيعكم لهذا الاحمق وامثاله من شعبكم ليخرب عملية السلام. وهذا دليل كاف فاضح بأنكم لم تكونوا جادين من قبل او غير مستشعرين لخطورة الموقف او لنقل غير مستوعبين للسبب الحقيقي وراء قبولنا التاريخي لعملية السلام معكم برغم ضياع الحق العربي كله، ونعتقد اننا اليوم والاحباط يحيط بنا من كل جانب لا نملك تلك العزيمة والهمة التي بدأنا بها مشوار السلام معكم فنذر الايام الصعبة والاستفزاز والغضب قد تمكنت من النفوس فأنتم قدرنا ونحن قدركم وليس امامكم للخلاص منا إلا الانتحار الشمشوني (عليّ وعلى اعدائي)، وكما ترون فجميعنا محشورون في زاوية حرجة جدا لم تخلقها إلا المكابرة والحمق والطمع وسوء التقدير منكم، والافتقار للمسؤولية الاخلاقية والعجز الحقيقي عن تقبل الواقع التصالحي الجديد الذي سعينا جميعا للمحافظة عليه، واذا لم تدركنا رحمة ربنا فهي الكارثة والخاتمة لنا ولكم لا محالة، واعتقد ان هذه الايام الصعبة بالنسبة لنا كعرب من انسب الاوقات لمحاولة التخلص من ظاهرة العقلية اليهودية الخارقة التي طغت واستبدت بالثقافة العربية فبكل أسف وصراحة انبهارنا نحن العرب بالعقلية اليهودية جعلنا نعتقد ان وراء كل مصيبة او تصرف اسرائيلي خطة محسوبة وألف مؤامرة ومؤامرة وانهم لا يقدمون على امر إلا وهم يعرفون جيدا ماذا يفعلون ومتى يعملون وكيف يخرجون من ازماتهم ويحسبون مكاسبهم بكل دقة متناهية. وبسبب هذا الانبهار الذي قد يكون بعضه صحيحا للشواهد والوقائع التي تواترت عبر التاريخ عليه، رحنا نكرس هذا الانطباع في اذهان الاجيال ونؤكد لهم صحة خرافة (بروتوكولات حكماء صهيون) حيث انقلب السحر على الساحر واصبحت عاهة واعاقة مزمنة للذهنية العربية لا يمكن الانفكاك او التخلص منها، وبالتالي انعكس ذلك على صراعنا معهم فردود افعالنا دائما اعنف مما يتطلبه الموقف حتى لو كان هذا الفعل عفويا وصادرا من شخص عادي لم يسمع عن بروتوكولات اجداده شيئا، او مجنون مثل قولدشتاين او تصرف اخرق كاستفزاز آرييل شارون الاخير وسبب الازمة الحالية كلها على حد سواء، مخطط ومؤامرة يهودية مدروسة وراءها ما وراءها، علينا الحذر منها والتصرف سريعا واستجلاب التاريخ المثقل بالمؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الأمة. هذه الحادثة بالذات فرصة مواتية لنثبت عكس ذلك وانه ليس كل تصرف اسرائيلي يحمل مخططا او دسيسة فنحن اعطينا القوم اكبر من حجمهم وانا بدوري وبامكانياتي التنبؤية المتواضعة اراهن على ان يكون وراء تصرف شارون الاخير بدخوله المسجد الشريف اي خطة سياسية او تاريخية محسوبة حتى لو ثبت ان هناك تواطؤا من حكومته، فالحكم سيكون اعم واشمل على ما قلته وراهنت عليه ان لا فرق، فالخطأ طبيعة بشرية لا يمكن تنزيههم عنه فلا عصمة إلا لنبي وستثبت لكم الأيام ان ما حدث لم يكن خطة سياسية محسوبة كما ادعى البعض منا بل ان فعلتهم هذه اضرت بشعب اسرائيل كثيرا وخدمت عدوهم اللدود الشعب الفلسطيني بصورة لم يسبق لها مثيل طيلة صراعنا الطويل معهم وستواجه اسرائيل من جرائها متاعب وضغوطا سياسية واقتصادية ومن مواقع لا يخطر على بالنا ولا بالهم ويكون بذلك شارون وحكومة باراك المتداعية (ان لم تسقط بعد) اسقطوا ايضا عن كاهلنا اسطورة او خرافة العقلية اليهودية الخارقة بل الخرقاء إلى الأبد.

* كاتب سعودي