خسر وفاز

TT

في انتظار المرحلة الاخيرة من الانتخابات النيابية المصرية منتصف هذا الشهر، يبدو الفائز الحقيقي هو الخاسر الاول، اي الحزب الوطني الديمقراطي الذي هو حزب السلطة الذي لم ينل سوى %44 من المقاعد التي تم الاقتراع عليها حتى الآن، والذي لن يحتفظ بالاكثرية الا بالتعاون مع «المستقلين»، الذين فازوا بعدد مساو تقريباً من المقاعد.

هذه هي المرة الاولى منذ ثورة 23 يوليو 1952، لا يكتسح حزب السلطة مقاعد مجلس الشعب بلا هوادة، بل ان النتائج (الاولى) هذه المرة تبدو وكأن الانتخابات جرت في كندا او فرنسا (لم نقل بريطانيا او اميركا بسبب نظام الحزبين). فقد طغى نسبياً فوز المستقلين وفازت نسبة واضحة من «الاخوان المسلمين» الذين كانوا يخوضون المعركة في الماضي على لوائح حزب العمل الاشتراكي الذي حل وخرج رئيسه من العمل السياسي (7 مقاعد؟) كما فاز الناصريون باربعة والشيوعيون السابقون بثلاثة ولم يطل حزب الوفد الجديد الا بفائز واحد في الجولة الاولى.

44% ليست نسبة يقبل بها الحكم في اي بلد من بلدان العالم الثالث، فكل رقم حقيقي او تمثيلي او تعبيري، يشكل اهانة للسلطة، التي عندما تدعو الى انتخابات انما تدعو اليها على امل تكرار الانتخابات السابقة. ويصار احياناً الى تعديل في النسب وأحياناً ينسى المسؤولون حتى ان يفعلوا ذلك. فليس في باب الاوليات خرق المسلمات او تحريك الساكنات.

لذلك تبدو نتائج المرحلة الاولى في الحقيقة انتصاراً للسلطة التي تركت عملية الاقتراع للمقترعين، وإن كانت الحملة نفسها قد شهدت عملية «شد حبال» كثيرة بين الحكم والمعارضة المتعددة الاتجاهات، غير ان الاقتراع نفسه كاد يكون كاملاً بسبب ما رافقه من ضوابط ومن اشراف قضائي ومن اختام (ايضاً قضائية) لم تترك مجالاً للشك لدى احد، في صحة التصويت، وفي المبدأ يجب ان تكون «صحة التصويت» بداهة البداهة، لكن ليس في العالم الثالث حيث يعتبر وجود المعارضة البرلمانية ترفاً مترفاً ولزوم ما لا يلزم. وحيث احياناً يمكن ان يكون اهل المعارضة «كلاباً شاردة» او «كلاباً ضالة»، فهذا يتوقف على خياراتك اللغوية والمراجع التي تأنس اليها. فالفارق هنا لا يعود الى تسمية الكلاب او تصنيفها وانما في تفسير الخروج على العبادة الذاتية: هل هو ضلال ام شرود؟ الواقع انه من اجل الغاء هذه الحيرة المزعجة، يُقْتَرَحْ واحد من امرين، او الامرين معاً: إما يلغى وجود المعارضين، من اجل سلامة التمثيل الشعبي والعمل البرلماني، وإما ان تدغم الشاردة بالضالة، وإما بعد الالغاء التام يقال «الكلاب الشاردة والضالة» معاً. تِكْرَمْ.

نتائج المرحلة الاولى من الانتخابات النيابية في مصر، تجربة اضافية في حكم «الجمهورية الثالثة» في ثورة 23 يوليو. فلا يستطيع احد ان ينكر على الرئيس حسني مبارك انه اطلق الحرية للاحزاب والصحافة والعمل السياسي على نحو لم يعرف او لم يحلم به او لم يرد، في المرحلة الناصرية او المرحلة الساداتية. ففي الاولى كانت القاعدة الوحيدة المقبولة هي قاعدة التسعة والتسعين في المائة. وفي الثانية اضحك السادات الناس وافزعهم عندما هدد معارضيه «بالفرم». وقد اعاد مبارك منفيي السادات، واعاد للاحزاب الغائبة حقها في العمل. ولذلك فإن غياب «الوفد» بعد كل هذه الحرية في الاقتراع هو اقسى بكثير من تغييبه بقرار. وعودة الناصريين باربعة مقاعد (من 170) تظل اشبه بالغياب بدلا من التغييب.