قصة ولايتين

TT

في الوقت الذي تودد فيه المرشحان الرئيسيان، في انتخابات الرئاسة الاميركية، للاصوات الاميركية العربية في ميتشيغان خلال العام الماضي، فإن عرب نيويورك تعرضوا لاهمال مؤلم.

ويمكن القول ان انتخابات مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك كانت احراجا كبيرا. فخلال العام الماضي، تجنب كل من المرشح الجمهوري ريك لازيو والديمقراطي هيلاري كلينتون كل الاتصالات مع عرب نيويورك الذين يصل عددهم الى 340 الف شخص. وفي الوقت ذاته سعى كل من المرشحين الى تأييد ودعم حتى اقصى العناصر المتطرفة في الجالية اليهودية.

فقد حظي نائب الولاية دوف هيكيند وهو متحدث سابق باسم الحاخام مائير كاهانا رئيس رابطة الدفاع اليهودية (التي تعتبرها وزارة الخارجية الاميركية منظمة ارهابية) بتودد كل من لازيو وهيلاري.

وخلال احدى مراحل الحملة سأل مراسل تلفزيوني هيلاري عما اذا كانت تنوي الالتقاء بالعرب الاميركيين، وكان رد فعلها بسيطا ومباشرا للغاية «لا». وفي الوقت الذي حصلت فيه هيلاري كلينتون على تبرعات من العرب والمسلمين الاميركيين في عدة مناسبات خارج نيويورك، فإن مستشاريها حذروها من حضور مناسبات عربية اميركية في الولاية، خوفا من ان يؤدي ذلك الى استعداء الجالية اليهودية الاكبر حجما في الولاية.

وتجدر الاشارة الى ان ابعاد الجالية العربية الاميركية عن النشاط السياسي في نيويورك ليس ظاهرة جديدة. واتذكر العديد من الحملات السابقة عندما تجاهل المرشحون الجالية العربية. ورأى عدد من انصار هيلاري كلينتون، بعدما لاحظوا ذلك، ان انتقادها امر غير عادل لانهم يضعونها في مرتبة اعلى من منافسها او من المرشحين الاوائل لمقعد ولاية نيويورك في مجلس الشيوخ.

وفي الواقع يمكن ان يكون ذلك صحيحا. فبالرغم من اننا نتوقع اكثر من ذلك من هيلاري كلينتون لان السيدة الاولى طورت علاقات وصداقات مع العرب الاميركيين والعرب في الشرق الاوسط. وان تحولها السريع والشامل لكي تصبح سياسية تقليدية في نيويورك امر مؤلم، ولاسيما بالنسبة للعرب الاميركيين الذين وضعوا مثل هذا الامل في ترشيحها.

وفي الوقت الذي اثارت فيه هيلاري كلينتون استياء العرب الاميركيين، فإن سلوك لازيو والحزب بالجمهوري يمكن ادانته ادانة اكبر.

فقد حاول الحزب الجمهوري، في اوائل هذه الحملة، اثارة غضب الجالية اليهودية ضد هيلاري كلينتون عن طريق «طعم عربي». ففي البداية استخدموا تعليقاتها على الدولة الفلسطينية ولقاءها مع السيدة سهى عرفات. ثم بدأوا في البحث في قوائم المتبرعين لاكتشاف متبرعين عرب لاستخدام ذلك ضدها.

وكان الجمهوريون قد تحدوا، قبل شهور، هيلاري كلينتون لاعادة التبرعات التي تلقتها من السيد هاني المصري وهو رجل اعمال فلسطيني اميركي من العاصمة واشنطن. وقد وصف المصري بأنه «صديق لعرفات»، ثم تحداها لازيو باعادة التبرعات من مندوب جامعة الدول العربية السابق في اميركا كلوفيس مقصود الذي وصفه بأنه «ناقد لاسرائيل» كما لو ان هذا الوصف امر كاف لاستبعاده من المشاركة في النشاط السياسي.

وفي الحالتين رفضت هيلاري الاستسلام للضغوط. غير ان الهجوم الذي شنه الحزب الجمهوري ضد هيلاري خلال الاسابيع القليلة الماضية، كان اكثر حدة وخطورة، واستسلمت للضغوط واعادت 51 الف دولار تبرعات من عدد من العرب والمسلمين الاميركيين.

وعقب ذلك شن فرع الحزب الجمهوري في ولاية نيويورك حملة هاتفية على مستوى الوكالة استهدفت نصف مليون ناخب تشتمل على رسالة تحاول ربط المتبرعين لحملة هيلاري بالارهاب ونسف المدمرة الاميركية كول.

وفي الوقت ذاته شاركت صحافة التابلويد في مدينة نيويورك في الحملة ونشرت موضوعات مطولة فيها تعليقات مؤيدة لحماس وحزب الله لواحد من العرب الاميركيين المتبرعين لحملة هيلاري. ثم ربطت بينه وبين هيلاري في عدد من الصور الفوتوغرافية في نشاطات متعددة لوزارة الخارجية الاميركية.

وقد أدت كل هذه الاثارة والمؤامرات التي تربط بين العرب والتبرعات والارهاب مع هيلاري كلينتون، تأثيرا سيئا على الجالية العربية الاميركية في نيويورك. وقد اكدت حملة لازيو، باستخدام هذه الورقة، رسالة مستشاري هيلاري ان العرب الاميركيين موضوع محرم. وكانت النتيجة حرمان العرب الاميركيين من المشاركة في هذه الانتخابات. وفي مقالة تمكنت من نشرها في صحيفة تصدر في نيويورك قارنت موقف العرب الاميركيين في نيويورك بموقف الافارقة الاميركيين في ميسوري والاباما في الخمسينات. فقد تجاهلهم الحزبان الرئيسيان ثم استخدمهم لتشويه كل منهما الاخر. ان تعليق عبارة «غير مسموح للعرب» على ابواب حملتهما، يعني ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي قد انتهكا الحقوق المدنية لحوالي 340 الف عربي اميركي في نيويورك.

كل ذلك يختلف اختلافا شديدا عن المعاملة التي تلقاها العرب الاميركيون في ميتشيغان. حيث سعى كل من الحزبين لكسب ودهما. ان العرب الاميركيين في ميتشيغان قد ساهموا مساهمة لم يسبق لها مثيل في انتخابات العام الحالي.

واذا استعرنا عنوان رواية تشارلز ديكنز «قصة مدينتين» يمكن للمرء القول ان خبرات كل من ميتشيغان ونيويورك تعكس «افضل واسوأ الاوقات»، ولكنها تشير ايضا الى الدروس المستفادة من انتخابات العام الحالي فأولا، يجب على العرب الاميركيين في ميتشيغان معرفة ان الجالية، بالرغم من انجازاتها تظل عرضة للهجمات. فبدلا من التفاخر بقوتنا، يبقى من الضروري بناء علاقات وتحالفات وان يصير لنا وجود في الحزبين.

وثانيا، من الضروري، في الوقت الذي يتابع فيه العرب الاميركيون مشاركتهم، ان يركزوا على الهدف الاسمى وهو قوة الجالية. ويتطلب ذلك من الناشطين فهم انه في الوقت الذي يجب فيه على العرب الاميركيين من انصار الحزبين الديمقراطي والجمهوري ان يكونوا احرارا للقيام بنشاطاتهم وتقرير اختيارهم. ويجب عليهم عدم مواجهة بعضهم بعضا وتدمير كل طرف الآخر. ونشعر بالاسى لملاحظة ان الجماعات الموالية لاسرائيل تستخدم الاتصالات الهاتفية على نطاق واسع بالاضافة الى الحملات الاعلانية التلفزيونية والاذاعية. لمهاجمة آل غور لعلاقاته بالعرب الاميركيين، فإن بعض العرب الاميركيين من انصار الحزب الجمهوري يستخدمون وسائل اكثر شراسة لمهاجمة ابناء جاليتهم الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الحالية، فإن على العرب الاميركيين الديمقراطيين والجمهوريين الاستعداد لانتخابات عام 2004، وجميع الانتخابات الوطنية والمحلية. ويجب زيادة عمليات تسجيل الاصوات وتطوير استراتيجيات جديدة لدعم المكاسب التي تحققت (مثلما حدث في ميتشيغان) ومواجهة اخر الحواجز امام نفوذ جاليتنا (كما في نيويورك).

ان الاسبوع الحالي يمثل نهاية انتخابات، وبداية طريق اخر طويل نحو الانتخابات القادمة.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن، ومستشار آل غور لشؤون الاقليات