الفلسطينيون المنسيون

TT

في غمرة العواطف الملتهبة، تأييدا للفلسطينيين الذين فرضوا وضعا جديدا ضد اسرائيل، ننسى فئة أخرى لا تقل معاناة. فبعيد هزيمة عام 1948 وتقسيم فلسطين واعلان قيام الدولة العبرية وجد فلسطينيون يعيشون على هامش القضية وهامش الارض وهامش العرب، هم الفلسطينيون اللاجئون، انتشروا في الاردن وسورية ولبنان، واعداد منهم ذهبت الى دول عربية أخرى طلبا للسقف الآمن وكرسي المدرسة، انتظارا لما ستفرج عنه الازمة من حل نهائي لهم. تضاعف عددهم بسبب الهزائم العربية اللاحقة وساءت احوالهم مع التزايد السكاني والنقص المادي وخبو التعاطف العربي وقسوة الانظمة العربية.

مخرج تلفزيوني بريطاني، صديق لي، عاد لتوه من تصوير مخيمات فلسطينية روع مما شاهد هناك، وخص بالذكر مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان، قال: زرت مخيمات اللاجئين في كشمير وافغانستان وكمبوديا ومخيمات الجياع في افريقيا ولم ار في حياتي اوضاعا مزرية مثلما رأيتها في المخيمين. الحياة هناك لا تصلح لأي آدمي في ادنى حدودها، ولا افهم لماذا هم هناك وبهذه الصورة المؤسفة؟ تلوت عليه الحجج العربية من اننا لا نريد للفلسطينيين اقامة دائمة في اي مكان عربي حتى لا يستوطنوا الارض فينسوا قضيتهم، اي اننا نعاملهم بهذه القسوة وننبذهم رأفة بهم، ومن باب الحس القومي العروبي.

حجة بليدة لم اصدقها من قبل ولم يصدقها هو ايضا. فالصحيح ان القرار تبنته الجامعة العربية، ردا على دعاوى الاسرائيليين بتوطين العرب في بلاد العرب، الذين كانوا يتعمدون تجاهل تسميتهم بالفلسطينيين انكارا لحقهم في الارض. لكن مع مرور الوقت لم تعد هناك حاجة لاثبات فلسطينية الارض او فلسطينية اللاجئين من خلال اسكانهم في بيوت من صفيح وحشرهم مع مجار قذرة وتركهم حبيسي مخيمات مطوقة بالمخابرات، وربط حياتهم في كل وجبة غذائية بالمعونات كل يوم طوال خمسين عاما.

ويؤلم اكثر ان نرى مثقفين لبنانيين وعربا يتحدثون بآهات عالية حول العراقيين وظلم الحصار، وهو شعور نبيل ولا شك، يندر ان تجد بينهم من ينتقد بشدة معاملة سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان. وبينهم من يجاهر بضرورة التخلص من الفلسطينيين، كما لو انهم وفدوا من آخر العالم وليس عبر الحدود، وكما لو انهم ـ اي الفلسطينيون ـ قَدمِوا طلاب بقاء، ان هاجس السياسي اللبناني وخوفه مبرر ومقبول ضد ان يستوطن الثلاثمائة الف فلسطيني ارضه لأن بلده صغيرة الحجم وكثيرة مشاكله ويمكن لعشرة آلاف «اجنبي» تغيير موازين القوى الديموغرافية السياسية. هذا التخوف لا يمكن انكاره، ومن حق اللبنانيين ان يصروا على اعادة الفلسطينيين الى ارضهم او في اسوأ الحالات اعادة توطينهم في اي مكان آخر من العالم. لكن مثل هذا الرفض لا يتعارض قط مع واجب الرعاية الانسانية لأي شخص في وضع كوضع اللاجئين بدلا من التضييق عليهم خمسين عاما.