قرار ضد العراقيين

TT

بايقافها ضخ النفط المسموح بتصديره، في اطار برنامج «النفط مقابل الغذاء»، ربما ارادت الحكومة العراقية، سياسيا، الضغط على الشركات الاميركية، المستفيد الاكبر من الصادرات النفطية الخاصة بهذا البرنامج الانساني، وعلى حلفاء اقليميين للولايات المتحدة، وبخاصة تركيا المنتفع رقم 2 من صادرات النفط وواردات الغذاء العراقية.

وهدف الضغط حمل هذه الشركات وتركيا على الضغط بدورها على الحكومة الاميركية الجديدة لفتح نافذة الحوار الذي تلح بغداد منذ سنوات لاقامته مع واشنطن من اجل الفوز اخيرا ببطاقة العودة الى الحظيرتين الدولية والاقليمية.

لكن لا يتعين اغفال هدف آخر محلي لقرار الحكومة العراقية هذا، فهو على نفس المستوى من الاهمية بالنسبة لها. فمن الواضح ان الحال المعيشية للعراقيين تحسنت كثيرا جدا بعد اربع سنوات فقط من البدء بتنفيذ برنامج «النفط مقابل الغذاء». واحدى علامات هذا التحسن ان حكومة بغداد لم تعد تجرؤ على تنظيم قوافل لجنازات زائفة في شوارع العاصمة العراقية لزوم تصويرها للصحافة ومحطات التلفزيون (الموتى الحقيقيون من ضحايا العقوبات الدولية وقمع النظام العراقي لم ينظم احد لجنازاتهم اي موكب).

ومن علامات التحسن الكبير في صحة العراقيين (بفضل الاغذية والادوية التي وفرها لهم البرنامج الانساني على الرغم من انف حكومتهم) ان كل العراقيين الذين يظهرون على شاشات الفضائيات العربية، وبينها الفضائية العراقية، يبدون في اتم الصحة والعافية سواء كانوا مسؤولين يدلون بتصريحات او اناسا عاديين يمشون في الشوارع او يعملون في المحال التجارية او مكاتب العمل.

برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي دأبت الحكومة العراقية على رفضه منذ عام 1991 (عندما وضع الاساس له في قراري مجلس الامن 706 و712) وعطلت تطبيقه في صيغته الحالية، اكثر من عام كامل من تاريخ صدور القرار 986 عام 1995، احدث تغييرا جوهريا في الحياة الاجتماعية والسياسية للعراقيين: أشبعهم وسترهم وجعلهم يستأنفون البحث في الهم السياسي والتفكير في عواقب السياسات العدوانية لحكومتهم تجاههم اولا وتجاه الجيران لاحقا.

في بغداد حكومة تخاف من ان يشبع الناس، لانهم ان شبعوا انصرفوا الى الشأن السياسي واذا فعلوا هذا شرعوا بالمحاسبة. وحكومة بغداد تعرف انها مدانة في اي محاسبة.

في حالة واحدة تستطيع حكومة بغداد ان تثبت ان هذا التحليل غير صحيح، وربما مغرض، اذا ما أتبعت قرارها وقف ضخ نفط برنامج «النفط مقابل الغذاء» بقرار توقف به، مثلا، صادراتها النفطية الى الاردن حيث يباع البرميل بنصف سعره في السوق العالمية، او ان توقف صادراتها السرية عبر شط العرب والخليج وتركيا والتي يتدنى فيها سعر البرميل الى مستوى سعر التراب.. بل اقل بكثير!