بدر الكبرى.. والدروس المتجددة

TT

يحتفل العالم الاسلامي في مشارق الارض ومغاربها هذه الايام بذكرى موقعة بدر الكبرى، التي تحل على المسلمين كل عام في السابع عشر من رمضان المبارك. ولموقعة بدر مكانة خاصة في نفوس المسلمين لان ذكراها بالنسبة لهم بمثابة دروس متجددة تدفعهم الى التأمل في اوضاعهم وتمدهم بقوة الايمان وحلاوة النصر، اذ انها لا تمثل لهم مجرد موقعة عسكرية انتصروا فيها وهم قلة، بل هي معركة فاصلة في تاريخ الاسلام والمسلمين، لهذا وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بيوم الفرقان اي اليوم الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل وبين الايمان والكفر وبين الهداية والضلال، حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله «واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير».

ولقد وقعت معركة بدر الكبرى التي كانت بشارة خير وفتحا للاسلام والمسلمين، في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة عند ماء بدر، وهو موقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث كانت تمر به القوافل التجارية لاهل مكة مع بلاد الشام، وهو سهل تحيط به مرتفعات جبلية وصفها القرآن الكريم بالعدوة الدنيا والعدوة القصوى، قال تعالى «اذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى». اذ عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه رضوان الله عليهم اجمعين في ناحية الشمال الشرقي، بينما عسكرت قريش بقواتها على مرتفعات جبلية. وكان في معسكر قريش الف رجل ومعهم سبعمائة بعير ومن بينهم اكثر من مائة فارس، بينما خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر ثلاثمائة من المهاجرين والانصار وسبعون من الابل، ولم يكن معهم من الفرسان سوى اثنين. والتقى الجمعان ببدر يوم السابع عشر من رمضان وانزل الله سكينته على الذين آمنوا وايدهم بنصر من عنده فأصبحوا على عدوهم ظاهرين، وانجلت المعركة بعد ان حقق المسلمون نصرا مؤزرا على اعدائهم.

من هنا كانت بدر معركة فاصلة في تاريخ الاسلام والمسلمين، ومن نتائجها ان قويت شوكة المسلمين واصبحت لهم هيبة في المدينة وما حولها، واهتزت معنويات المشركين وعمت بينهم الاحزان والآلام، حيث فقدوا عددا كبيرا من ابنائهم وقادتهم، واحدثت لبعضهم صدمات نفسية عنيفة.

مما لا ريب فيه نحن في حاجة ماسة الى التأمل في دروس بدر المتجددة لنستمد منها قوة وعزيمة وثبات في مواجهة التحديات.

كما اننا باسترجاعنا لذكرى معركة بدر الكبرى، يجب ان نجدد عهدنا مع الله تعالى ايمانا خالصا وعملا صالحا، ونجسدها في اعماق قلوبنا، لنستنهض قيم الامة الاسلامية في توحيد اهل القبلة لمواجهة التحديات المعاصرة.

اخلص الى ان دروس بدر المتجددة في كل عام تعيننا في معاركنا الكبرى. ولقد تزامنت ذكرى بدر هذا العام مع انتفاضة الاقصى، التي نسأل الله ان تكون بشارة خير ونصر في معارك الامة الاسلامية لتحرير مقدساتها، «وما النصر الاّ من عند الله». وعلينا ان نعيش تجربة بدر ونعي دروسها بصدق واخلاص ليتحقق وعد الله فينا مصداقا، لقوله تعالى «فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون».