نحن وشجرة الكرسمس

TT

من المشاكل المحيّرة التي يواجهها المسلمون في الغرب، كيفية التعامل مع مناسبة احتفالات الكرسمس، أو بعبارة أخرى احتفالات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حسب معتقدات أو أعراف الكنيسة المسيحية. فهذه الاحتفالات تجتاح المجتمع الغربي اجتياحا كاملا في هذه الأيام، يصعب بصورة خاصة على أولاد المسلمين في المدارس معرفة الموقف الذي يمكن أن يتخذوه نحو كل هذه الأنشطة والفعاليات.

من أهم تقاليد الكرسمس إقامة شجرة الكرسمس بكل ما عليها من زينة وأنوار. ينظر إليها المسلمون واليهود وأبناء الطوائف الأخرى نظرة شك واعتراض. في الولايات المتحدة استطاع اليهود أن يمنعوا إقامتها في المؤسسات العامة على اعتبارها رمزاً مسيحياً ينطوي على تحدّ لغير المسيحيين يخالف الدستور الذي ينص على علمانية الدولة. حماقة أخرى من حماقات اليهود الأميركان. فشجرة الكرسمس لا علاقة لها بالمسيح أو المسيحية مطلقا، كل ما في الأمر أن المسيحيين في الغرب اعتادوا على إقامتها في أيام الكرسمس.

الحقيقة هي أن شجرة الكرسمس رمز وثني ورثته الكنيسة الأوربية عن القبائل الجرمانية في شمال أوربا. اعتادت الشعوب الجرمانية على عبادة الطبيعة ومنها الاحتفال بليلة 25 ديسمبر (كانون الأول)، كأطول ليلة في السنة يبدأ بعدها الليل بالتقلص والنهار بالطول. وفي هذا الشهر، شهر ديسمبر، تكون كل النباتات قد فقدت أوراقها وخضرتها بفعل البرد القارس الذي يصل أحيانا إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر. وتغطي الثلوج كل شيء، الأشجار الوحيدة التي تصمد ضد هذا البرد هي الأشجار الإبرية. تكتسب منظرا مهيبا عندما تحمل أغصانها الوارفة الخضراء كتل الثلج البيضاء. اعتبرها الوثنيون الجرمان رمزاً لاستمرارية الحياة والخضرة، ودأبوا على تزيينها بالألوان والتفاح والدمى والشموع. كانوا يضرمون النيران حولها ويرقصون ويغنون ويعربدون، كانت جزءا راسخا من حياتهم الاجتماعية.

وعندما جاء المبشرون لتنصيرهم لاحظوا مدى رسوخ هذه العادة بينهم فأبقوها وربطوها بمناسبة احتفالات ميلاد عيسى بن مريم. ولهذا فهي عادة لم تعرفها الكنائس في الشرق ولم تشع بين اخواننا المسيحيين إلا أخيراً ضمن عملية تقليد الغرب في كل شيء.

اهتم العلمانيون الألمان في أيام هتلر بتقاليد شجرة الكرسمس لا كرمز كنسي إنما كجزء من فولكلور الشعوب الآرية الجرمانية. يعتز بها الخضر في هذه الأيام كرمز للخضرة واستمرارية الحياة. لا داعي في رأيي للامتعاض منها أو الاعتراض عليها أو محاربتها، إنها لا تحمل اعتياديا أي رمز من رموز الكنيسة أو المسيحية. يضعون في قمتها احيانا كوكبا واحيانا دمية صغيرة على شكل ملاك أو عفريت أو مهرج كوميدي. من الممكن لأي شخص أن يضع بدلا من ذلك هلالاً إذا شاء أو أي نقش يعجبه أو كلمة تطيب له.

من دون شك، لا داعي لمحاكاة حماقة اليهود الأميركان والضغط على أحد في الغرب لإزالة شجرة الكرسمس أو منعها أو نفيها أو المطالبة باعتقالها أو إيداعها السجن لكفرها وإلحادها وضلالها.