بالروح لا بالدم

TT

رغم انخراط كثير من النساء في القوات المحاربة ولعب دور بطولي في الحروب والمقاومة المسلحة وحتى الارهاب، فإن صيغة النضال السلمي اللاعنفي تناسبهن بصورة اوضح. وكان من اهم الفصول النضالية التي قادتها المرأة في هذا الاطار العمل على نيل حق التصويت والترشيح في الانتخابات. مرة اخرى اخذ الانغلوسكسون الدور الطلائعي في الموضوع. فعندما عمد الحلفاء قبيل الحرب العظمى الى الاستنجاد بالمرأة لدعم المجهود الحربي، خطر لها ان تسأل نفسها: «ها الاولاد الكلب الرجال يريدون منا ان نحارب من اجل الوطن دون ان يكون لنا اي حق في صياغة سياسته»! بدأت الحملة لاعطاء المرأة حق المشاركة في التصويت والانتخاب في بريطانيا واميركا، الحملة التي عرفت باسم حركة السفريج Suffrage. انقسمت المؤمنات بها الى فئتين، آمنت احداهما بالنضال في اطار القانون وعرفن باسم السفرجيات Suffragists وآمنت الأخرى بخرق القوانين من أجل حقوقهن، وعرفن باسم السفرجيتيات Suffragettes.

وهذه نقطة طالما نوقشت في صفوف اللاعنفيين. انهم جميعا ضد سفك الدماء واصابة البشر والحيوان بأذى. ولكنهم اختلفوا بالنسبة لاصابة الجمادات والممتلكات. هل يعتبر تحطيم فاترينة شركة عملا عنفيا ام لا؟ آمنت السفرجيتيات بأن ذلك لا يشكل عنفا مرفوضا، فانطلقن في مظاهراتهن الى تحطيم النوافذ ورشق المؤسسات بالحجارة وحرق صناديق البريد وقطع حركة المرور ونحو ذلك. اجابت السلطات على ذلك باعتقال عدد كبير منهن. في الولايات المتحدة اعتقلت الشرطة جوليا ايمري واودعتها السجن 34 مرة. وفي بريطانيا سجنوا املين بانكهرست ثماني مرات. ولكن المعتقلات والسجينات بادرن الى الاضراب عن الطعام. اضطرت الحكومة الى اطعامهن قسرا وعندما تدهورت صحتهن، اضطرت الى اطلاق سراحهن. نشأ عندئذ الموقف الكوميدي الذي سماه الصحافيون بقانون القط والفأر. يطلقون سراح السفرجيتية عندما تصبح حياتها في خطر، ولكنها ما ان تستأنف الاكل في بيتها وتستعيد صحتها حتى يعتقلونها ثانية وهكذا دواليك! نظمت النسوة مظاهرات واجتماعات ومسيرات عديدة. ولما كانت الشرطة تعتقل الخطيبة منهن، فقد عمدت الخطيبات الى قفل انفسهن بقفل الى المنصة او سياج الميدان ورمي المفتاح بعيدا فيتحذر على الشرطة اعتقالها. لم تخل الحملة من بطولاتها. فمن مبادئ اللاعنف التضحية بالنفس وليس التضحية بأرواح الآخرين. في عام 1913 هزت المرأة البريطانية العالم بأسره عندما استغلت الفتاة الارستقراطية، اميلي ديفدسن فرصة سباق الدربي الشهير فانطلقت في سكة السباق رافعة علم السفريج. ظلت تهتف بحقوق المرأة حتى داهمتها الخيل وداستها بحوافرها وقتلتها.

بالطبع لقيت الحملة الاعتراضات المتوقعة فسخر منها المحافظون والصحافيون والرسامون الكاريكاتيريون، ولكن اصرار النسوة واستمرارهن في الحملة والتحدي والتضحية، واخيرا الدور الاساسي الذي قمن به في المساهمة في المجهود الوطني خلال الحرب، لم يترك للساسة غير ان يذعنوا لطلباتهن ويقروا لهن بحقوقهن الانتخابية التي اكتملت اخيرا بالمساواة التامة مع الرجال في التصويت والانتخاب عام 1930.