دع الشعب الفلسطيني يقول كلمته

TT

قبل ان يؤخذ اكثرنا بتيار الرفض، عليه ان يدقق في مشروع السلام المقترح الذي يعرض حاليا على الوفد الفلسطيني. سيذهل من التراجع الكبير في طروحات الاميركيين وكذلك الاسرائيليين. المشروع المعروض حاليا يعتمد قرار مجلس الأمن 242 اساسا وهو مطلب عربي سبق لاسرائيل ان رفضته. المشروع ايضا يجعل اقامة دولة فلسطينية اول نتاجه بسيادة وحدود وحماية دولية مضمونة يعيد كل الاراضي الفلسطينية المحتلة باستثناء اثنين في المائة فقط تقوم اسرائيل بمبادلتهما بما تعادلهما مساحة من اراضيها. المشروع يرد كل القدس المحتلة في حرب 67 باستثناء الحي اليهودي وحائط المبكى، ويوافق على طلب الفلسطينيين بادخال قوات دولية ضامنة للسلام في المدينة المقدسة، وايضا يعطي السلطة الفلسطينية السيطرة الكاملة على مطاراتها وموانئها ومخارجها الحدودية، ويعطي الفرصة للاجئي الجيل الأول في العودة ان شاءوا وتعويض من لم يرغب مع ضمان حقه السياسي في البلد الذي يستقر فيه.

ان مشروعا كبيرا كهذا هو انتصار للارادة الفلسطينية ولم يقدمه الاسرائيليون تنازلا طوعيا للشعب الفلسطيني، بل هو اعلان هزيمة لاسرائيل تراجعت فيه عن كل طروحاتها السابقة. فمشروع «غزة اريحا اولا» كان يهدف من قبل المفاوضين الفلسطينيين الى استعادة كامل الاراضي الفلسطينية لكن الاسرائيليين من جانبهم كانوا يهدفون الى القبول به بخلق سلطة بلدية مهمشة على جزء بسيط من اراضيها. وسعوا بعد ذلك الى تعطيل كل اتفاق وقعوا عليه دليلا على عدم رغبتهم في التنازل عن اي شبر من الاراضي المحتلة. وبعد المواجهات الماضية وضعت اسرائيل امام رأي عام عالمي مستنكر وشعب يشتعل غضبا فحوصر الاسرائيليون حتى ارغموا على القبول بالطرح الجديد مثلما حوصروا في جنوب لبنان واضطروا الى الفرار امام العالم بعد احتلال دام ثمانية عشر عاما تقريبا. مشروع السلام المقترح الآن هو في واقع الامر وثيقة اعتراف بالهزيمة من قبل اسرائيل واعلان استسلام بعد احتلال طال ثلاثا وثلاثين سنة فشل في ضم «جوديا وسماريا» كما يسمي اليهود الضفة الغربية التي يعتبرونها اساس دولتهم وسبب «عودتهم» بعد الفي عام من التشرد، كما يقولون. المشروع المقترح هو بالفعل هزيمة ويفترض ان ينظر اليه كنتيجة لكفاح الشعب الفلسطيني وان يستفتى عليه قبل ان يرفض او يوافق عليه من السلطة الفلسطينية نفسها. فقد تراه الغالبية الفلسطينية مشروعا معقولا يحقق لها طموحاتها وهنا سيكون هوى السياسي مسنودا بقناعة صاحب القضية الأول وله شرعية لا يستطيع احد مهما كان انتماؤه في العالم العربي ان يعارضه، فاذا وافق الشعب الفلسطيني اكتسب مشروعيته وقانونيته الحقيقية، وان رفضه لا تلام السلطة الفلسطينية وصار الرفض امرا مشروعا كذلك.