المدن والقنابل!

TT

تحدثنا امس عن ظاهرة العنف في حياتنا.. هذا العنف الذي يحيط بنا في البيت وفي الشارع، وفي السينما والتلفزيون، والذي ادى لاصابة الانسان بعقدة الخوف.. حتى من دون ان يتعرض لأذى.

ان المدن الكبيرة المزدحمة اصبحت اشبه القنابل الموقوتة القابلة للانفجار في اي وقت.. فساكن المدينة ما يكاد يخرج الى الشارع حتى تستقبله كتلة هائلة من السيارات، والابخرة السامة تغطي سماء الشارع.. الضوضاء تكاد تطحن الاعصاب.. وعندما يحاول ان يذهب الى عمله يخوض معركة في المواصلات المزدحمة حتى يصل في آخر الامر منهكا، وقد تحطمت اعصابه.

ويقول العلماء ان مرض (الخوف من المجهول) الخبيث الذي يغذيه القلق، وعدم الثقة، والضغوط المادية والاسرية، وما قد يحدث في الغد، اصبح ينخر بقسوة في اعماق الجسم الآدمي. وكل يوم يزداد الايحاء بحدوث كوارث أليمة، مما يؤدي الى طمس التفكير المتزن، واطلاق العنان للافكار والتخيلات القاتمة.

وفي تقرير المعهد القومي الاميركي للصحة العقلية ظهر ان شخصا على الاقل من 20 شخصا بالغين مصاب بمجموعة مختلفة من عقد الخوف الخطيرة، وكذلك فان واحدا من كل 9 بالغين يعاني من عقدة خوف بشكل أو بآخر، مما يجعل مشكلة الصحة العقلية في اميركا تأتي في المرتبة الثانية مباشرة من حيث الخطورة بعد مشكلتي ادمان المخدرات والكحول.

وما يحدث في اميركا يحدث ايضا في غيرها من الدول الاوروبية.. مثل بريطانيا، فاضافة الى العنف الذي اصبح يسيطر على الشارع البريطاني، فان انماط السلوك تغيرت بصورة خطيرة.. فالسلوكيات القديمة المهذبة والاحساس بالغير، تبخرت تقريبا، وظهرت في السنوات الاخيرة طائفة جديدة من الامراض النفسية الحادة المصحوبة بالعنف والرغبة في ايذاء الغير بدون سبب، او منطق، مثل اطلاق صوت الراديو على آخره، او قذف جدران البيوت بعلب الاغذية الفارغة، وغير ذلك من وسائل الازعاج التي كانت غريبة على المجتمع البريطاني.

واصدق وصف لمعاناة الانسان الحديث ما قاله احد العلماء بأن الانسان العادي لا يجد مكانا يخلو فيه الى نفسه لبعض الوقت، ويهرب ولو لايام قليلة من ضغوط وصخب الحياة حوله، وقد يكون حيوان الغابة اسعد حالا من الانسان. فالحيوان يلجأ الى كهف ينعزل فيه اذا اصيب بجراح او مرض. لكن اين يذهب الانسان الحديث لو اصابته الحياة بجراحها الاليمة الدامية؟!