وكالة اللاجئين.. خمسون عاما من الخدمة ولا حل في الأفق

TT

تحتفل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذه الايام بذكرى تأسيسها الخمسين، وقد انبثقت المفوضية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي تستمد سلطتها منها، كما تخضع لرقابة اللجنة التنفيذية المؤلفة من 54 دولة أعضاء. وتعتمد المفوضية في تمويلها بشكل شبه كامل على تبرعات الحكومات والمنظمات الإقليمية، كذلك على هبات من القطاع الخاص.

إن مهمة المفوضية هي حماية اللاجئين وتأمين حلول دائمة لهم كالاندماج في المجتمع المحلي، أو العودة الطوعية إلى بلد المنشأ، أو إعادة التوطين في بلد ثالث. أما مهمة المفوضية الأولية فهي توفير الحماية الدولية كبديل للحماية التي فقدها اللاجئ عند هروبه من بلده الأصلي. وتلزم اتفاقية 1951 البلدان التي وقعت عليها، بالتقيّد بالمعايير المتفق عليها دولياً في ما يتعلق باستقبال اللاجئين وحمايتهم ومعاملتهم، لا سيما بمبدأ عدم الإبعاد الذي يحظر إعادة اللاجئ إلى بلد قد تتعرض فيه حياته إلى الخطر. ويفترض أن تتعاون المفوضية في عملها تعاوناً وثيقاً مع الحكومات المعنية لتضمن احترام المبادئ الأساسية لتشريعات اللجوء بما فيها منح حق اللجوء وتأمين الحقوق الأساسية للاجئ إلى أن تصبح عودته إلى بلده الأصلي بأمان وكرامة ممكنة أو إلى أن يندمج في المجتمع المحلي. وعلى رغم التحيّز الوارد في اتفاقية 1951 نتيجة الحرب الباردة، أصبحت هذه الاتفاقية رمزاً للتضامن العالمي لخدمة قضية اللاجئين والتشريعات الخاصة بحمايتهم.

الحروب الدموية محل الحروب بالوكالة كما يطلب من المفوضية توفير الإعانات والمساعدات المادية (الصحية منها والتعليمية) للاجئين إلى أن يتوفر حل دائم لهم. وقد نشطت المفوضية أخيرا وقامت بتنفيذ برامج لمساعدة اللاجئين في منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا، وشرق تيمور، والبوسنة، والشيشان، وكوسوفو، والعراق.

وبالإضافة إلى اللاجئين الذين تجاوزوا حدوداً معترفاً بها دولياً، هناك فئات أخرى تحتاج إلى الحماية الدولية إلا أنها غير مشمولة في اتفاقية جنيف كالمهجرين الذين لا تتدخل المفوضية لمساعدتهم إلا بطلب صريح من الحكومة المعنية وبإذن خاص من الأمين العام. كما أن للمفوضية مسؤوليات محددة تجاه عديمي الجنسية تتمثل في القيام بدور الوسيط بينهم وبين الحكومات المعنية للحد من هذه المشكلة.

وعلى الرغم من توسيع نطاق عملها، لا تهتم المفوضية باللاجئين الفلسطينيين إلا إذا كانوا خارج النطاق الجغرافي لعمل الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين (اونروا) أي خارج الأردن وسوريا ولبنان والأراضي المحتلة.

لقد بدأت المفوضية عملها كمنظمة صغيرة هدفها إعادة توطين اللاجئين الأوروبيين الذين نزحوا خلال الحرب العالمية الثانية. أما اليوم فهي تساعد ما يقارب 22 مليون لاجئ ومهجر في جميع أنحاء العالم. فخلال العقود الخمسة التي تلت تأسيسها كان تاريخ المفوضية مرآة للأزمات الكبيرة التي طبعت السنوات الخمسين المنصرمة كسلسلة الحروب والصراعات التي أدت إلى حركات كبيرة من النزوح.

ومع أن المهمات الأساسية التي أوكلت بها المنظمة لم تتغير إلا أن ظروف عملها قد تبدلت بشكل لافت.

فخلال ما يقارب الأربعين عاما، خضعت سياسات اللجوء وممارساته لتجاذبات الحرب الباردة وصراعات الهيمنة الدولية. فقد كان التعاطف الدولي مع ضحايا الشيوعية السبب الرئيسي في إنشاء المفوضية. واللاجئ في تحديد المادة الأولى من اتفاقية جنيف هو شخص فرّ من بلده الأصلي لخوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو بسبب رأيه السياسي أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة.

وقد وسعت الجمعية العامة على مرّ السنوات نطاق عمل المفوضية ليشمل الذين هربوا من بلدهم نتيجة الكوارث التي يسببها الإنسان كالحروب وحالات العنف المعمم التي يزيد من حدتها الفقر والكوارث الطبيعية. اليوم، وبعد انتهاء الحرب الباردة تغير الإطار السياسي الدولي الذي أدى إلى مشاكل اللجوء، فقد انتهى صراع الدول العظمى والحروب بالوكالة لتحل مكانها الحروب الدموية الداخلية. فأصبحت مشكلة اللجوء بمعظمها نتاجاً للحروب الداخلية التي يفجرها الحقد العرقي والديني والقومي. فمن قرن أفريقيا والسودان مروراً بالاتحاد السوفيتي سابقا ودول البلقان وصولاً إلى الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية تصاعدت حدة التوترات العرقية لتتحول إلى موجات عنف دموية، فأصبح التطهير العرقي أسلوبا معتمداً للترحيل الجماعي ولاضطهاد الأقليات.

إن الوجه الثاني لمشكلة النزوح، يتمثل بالترابط الوثيق بين كل من الأسباب السياسية والاقتصادية، فقد أدى الاستياء الاجتماعي والقمع السياسي والفقر (أو سياسات التفقير) في ألبانيا والفيتنام وهايتي إلى موجات كبيرة من النزوح. وقد ساهمت حركات السفر الدولية في تقريب المسافات للجميع بمن فيهم اللاجئون، مما جعل العديد من دول أوروبا وأميركا الجنوبية وحتى أستراليا التي طالما طالبت ودافعت عن حرية التنقل إلى أخذ الحذر خصوصاً بعد أن تغيّر الطابع السياسي والاستراتيجي للجوء بانتهاء الحرب الباردة. وقد أدى ذلك إلى اعتماد سياسات لجوء أكثر حزماً وإلى تفاقم شعور الشعوب بالكراهية تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء.

وكالة اللاجئين ووحشية الانسان أما العنصر الثالث فهو عدم اكتفاء المفوضية بتوفير شروط اللجوء وحقوق اللاجئين وسعيها إلى إيجاد حل لمشكلتهم. فلسنوات عدة تمت معالجة قضية اللاجئين حصرياً على الصعيد الإنساني وذلك لضرورات سياسية. فالمطلوب ليس الحسنة أو الصدقة أو التعاطف لا بل الشجاعة والرؤية والإرادة السياسية لمواجهة التحديات، ووضع مخططات لمعالجة مسببات المشكلة، فقضية اللجوء ليست مسألة إنسانية فحسب بل مسألة سياسية وأمنية مهمة.

لذلك علينا الاستفادة من الدروس الماضية لنتمكن من التخطيط لمستقبل يخوّلنا العيش بأمان، فمع تبلور ظاهرة النزوح تطورت أيضا النظم القانونية، إلا أن استجابة المجتمع الدولي لأزمات اللجوء اتخذت في معظم الأحيان طابع ردة الفعل لا الطابع الوقائي. ففات الأوان في بعض الأوقات لالتئام الجراح التي خلفتها الفظاعات التي تعرض لها الفرد أو المجتمع أو الأمة.

إن الذكرى الخمسين لتأسيس المفوضية ليست مدعاة للاحتفال، فليست استمراريتها سوى دليل قاطع على فشل المجتمع الدولي وتملّصه السياسي من معالجة مسببات النزوح القسري.

فعلى مدى خمسين عاما كان للمفوضية دور لا تحسد عليه، هو دور الشاهد على قسوة الإنسان ووحشيته. إلا انها ساعدت ضحايا القمع، وانتهاكات حقوق الإنسان، والحروب الطويلة الأمد، وضحايا الترحيل الجماعي والتطهير العرقي على استعادة الكرامة، وعلى توفير الفرص لهم وإعطائهم معنى للحياة جديدا. فبعملها الإنساني البعيد كل البعد عن التحيّز والتجاذبات السياسية، أمنت المفوضية فسحة لحل الصراعات المعقدة وتوصلت من خلال شراكاتها إلى تأمين حلول دائمة للعديد من أزمات اللجوء.

ولا يسع المفوضية سوى الافتخار بعملها الذي أحدث فرقاً كبيراً في حياة الكثيرين والذي استأهلت عليه جائزتي نوبل للسلام.

* ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ـ لبنان