سائق التاكسي السعودي

TT

في زيارة مضت الى الرياض وعند خروجي من مبنى المطار تجنبت كالعادة سائقي سيارات الاجرة المحليين نظرا لكثرة معاناتي المتكررة معهم التي جعلتني احجم، قدر ما استطعت، عن التعامل معهم. اتجهت فورا نحو سيارة اجرة يقودها اجنبي وطلبت منه ان ينقلني الى الفندق. وبعد دقيقة من الحديث اكتشفت ان السائق الاجنبي الذي كان يرتدي بنطالا اسود وقميصا ابيض ليس سوى سائق سعودي! قلت له مستنكرا خدعتني هذه المرة، فقد اعتدت على السائق المحلي بلبسه العربي اما انت فقد وقفت في موقفهم ولبست مثلهم، لماذا؟! اجاب بأنه فعلها من اجل اقناع امثالي من الرافضين للتعامل مع السعوديين في مثل هذه المهن. وجدته شابا متعلما في الثلاثين من عمره له قصص مع مهنته تصلح لبرنامج تلفزيوني ويعرف المدينة اكثر من معظم الذين يجوبون شوارع العاصمة. سألته لماذا يعمل سائق تاكسي، فأوضح بأنه كان موظفا حكوميا. عن دخله الشهري من نقل الركاب سألته فاعتذر عن الاجابة الا بجملة «لو خيرت بين وظيفة بخمسة آلاف ريال وهذه المهنة لاخترت ان ابقى سائق تاكسي»، والسبب؟ قال «هذه اكثر ربحا واكثر استقلالية»! من هذه القصة انتقل الى ما صرح به قبل فترة وجيزة الاستاذ عبد الرحمن الجريسي رئيس الغرفة التجارية عندما حث البنوك على دعم اصحاب المشاريع الصغيرة وخص بالذكر سائقي سيارات الاجرة. واجد ما قاله صحيحا من حيث تأهيل اهل المهن الصغيرة ودعمهم بالقروض والدورات سواء من قبل البنوك او المؤسسات المتخصصة في كل مهنة، وسيارات الأجرة يعمل فيها عشرات الآلاف في المدن الكبيرة. وهنا يصبح افتراض ان كل سعودي يصلح للعمل لمجرد انه يحمل الهوية خاطئا ومضرا به كثيرا. فالقوانين التي تصر على ان يكون عمره فوق الاربعين ولا تشترط فيه التعليم والتخصص دفعت الاميين الى تولي مهنة ليست بالسهلة وبالتالي فشلوا فيها. وهنا يحلو لي عادة ان اضرب مثلا بسائق التاكسي في لندن، وهي مدينة القيادة فيها اصعب بكثير عنها في الرياض وغيرها من مدننا العربية الكبيرة. السائق فيها لا يسمح له بالجلوس خلف المقود الا بعد عامين من الدراسة المتخصصة حتى يحفظ شوارع المدينة ومعالمها اكثر مما يعرف راحة يده، ولا يستخدم سيارته الا بعد تدريبه عليها بما في ذلك استخدام اجهزة الاتصال الالكترونية. ويفترض فيه ان يكون متعلما، بل هم اشتهروا هنا بثقافة عاليه تبز كثيرا من المثقفين. ونحن لا نتوقع ان تتجه السلطات المحلية الى جعل سائقي سيارات الاجرة في الرياض من حملة الدكتوراه او ان يكونوا من المنتسبين للنادي الادبي، انما لا بد من حد ادنى من التعليم وسجل شخصي نظيف ودراسة متخصصة لا تقل عن نصف عام. وهي ليست بالشروط الصعبة طالما ان جائزتها في النهاية دخل يفوق دخل حامل الشهادة الجامعية. على هذا المنوال يمكن للمواطن ان يأخذ مكانه بجدارة ويحظى باحترام الآخرين.