شائعة مرض صدام!

TT

هي حرب دعائية، سواء نبأ اصابة صدام حسين بجلطة دماغية، او ظهور الرئيس العراقي شخصيا في احتفال عسكري ضخم ممسكا ببندقية يطلق منها النار بشكل متتابع.

خبر المرض احتل صدر صفحات معظم الجرائد في العالم، كما احتلت صورة الرئيس وبندقيته نفس المكان قبل ذلك بيومين. كلها جزء من «البروبغندا» المثيرة للبلبلة. وعندما سمعت رواية اصابة صدام بمرض مفاجئ قدرت انها حركة دعائية وذكية جدا من قبل المعارضة. فقد اذاعتها مباشرة فور نهاية العرض العسكري فأفسدت دعاية النظام التي كلفته وقتا ومالا طائلين. فالحكومة العراقية اعدت مسرحا ضخما، هو الاضخم منذ نهاية الحرب، من أجل اقناع الرأي العام في كل مكان ان النظام ممسك بالسلطة، وهو يوشك ان يخرج من عزلته القسرية، وان الرئيس لا يزال موجودا رغم الهزيمة، في حين يدخل رئيس ثالث البيت الابيض. لكن من بث نبأ اصابة الرئيس العراقي بمرض الجلطة اختار توقيتا متعمدا ليلغي فعالية الدعاية الرسمية، وبذلك تحول الحديث من عودة النظام الى عيادة الرئيس.

ولكن، لماذا نبأ سيُكتشف كذبه بعد ايام؟ في تصوري ان الهدف مؤقت ، والحرب الدعائية دائما قصيرة الزمن، أكانت حربا دعائية في المنطقة، أم في العالم، والرسالة هنا ذكية، فجزء منها يهدف الى تذكير الجميع بأن النظام العراقي هو الرئيس فقط، والرئيس معرض كغيره للمرض والعجز والوفاة. لكن النظام ليس كغيره، فلو صحت شائعة مرضه فإن احتمالات سقوطه شبه اكيدة. هذا التذكير يخيف الذين يسعون للتحالف معه او يرغبون في التعامل معه. والمعارضة العراقية، وان كانت ضعيفة، لا تستطيع ان تؤثر على النظام اليوم الا انها رأس حربة عند ظهور علامات حقيقية تؤكد مرض الرئيس او ضعف النظام. أما بوجود صدام على رأس الحكم، كما رأيناه في العرض العسكري بكامل صحته، فان احدا لن يستطيع التأثير على النظام داخليا. لكن عند غيابه يصبح النظام مثل قلعة من رمل تذوب مع اول موجة ماء.

المعارضة تقول انها رسالة، عندما تبث الاشاعات، للتذكير بالمرحلة اللاحقة، فالرئيس، وبعد سنوات، الله اعلم بعددها، لن يكون موجودا وهنا يأتي دورها، والمعارضة ذات شعبية في الداخل يصعب طبعا حسابها اليوم. وستكون عند تسلمها السلطة ذات نزعة انتقامية من الاطراف الخارجية التي ساندت النظام كما يظهر ذلك من ادبياتها.

وعودة لحرب الدعاية السياسية، فإن الامر بالنسبة للصحف ووسائل الاعلام الاخرى صعب جدا، وليس لها سوى ان تكون منبرا للطرفين.. فالدعاية الخبرية جزء من الخبر ايضا باقصى قدر من الحيادية، لكن لا احد يدري كامل الحقيقة في مجتمع سري يجري فيه تزوير الصور والمعلومات بشكل مستمر.