حديث عن التضخم المالي!

TT

ذهبت في السبعينات أزور ابنة صديق لي في حرم الجامعة الاميركية في واشنطن، فقد صدف انني في المدينة، وكان قد مضى علي نحو ثلاث سنوات لم ارها. وقلت في نفسي سوف اغتنم الفرصة واتفقدها نيابة عن والدها. ولما اطلت بالكاد عرفتها. فالطفلة اصبحت شابة. وكان في ظني ان احدثها عن الاهل فراحت تحدثني عن التضخم المالي. وسألتها ان كانت تفتقد الى بيروت، فقالت لي انها غارقة في كتابة مطالعة عن العلاقات الصينية ـ الروسية.

وقلت لها انني كدت لا اعرفها، فلم تنتبه الى الملاحظة او لم تأبه لها، وقالت لي ان مشكلتها الكبرى هي الخيار بين التخصص في الشؤون الآسيوية او في الشؤون السوفياتية، لأنها شعورياً تفضل تاريخ الهند لكن مستقبلها في العمل يدفعها الى دراسة الوضع السوفياتي.

عدت من زيارتي وانا اضحك من نفسي. ذهبت لمقابلة طفلة غير مدرك ان الاطفال لا يدخلون الجامعات. وادركت ايضا كم ان الهدية التي حملتها كانت مضحكة بالنسبة الى فتاة تشكو من التضخم المالي وسياسات الـFed. وهو تعبير سمعته لأول مرة، ويعني الحكومة الاتحادية. وتعلمت يومها ان الانسان ينتقل من حال الى حال ومن قصور الى بلوغ بمجرد ان ينتقل من المراهقة الى الرشد ومن الحرية الى المسؤولية ومن رعاية الأب الى مسؤولية الذات.

تذكرت حوار الجامعة الاميركية في واشنطن وانا اتابع جورج دبليو بوش وهو يشكل ادارته. وتذكرت ابنة صديقي وانا ارقب تصرف المرشح الذي كان مضحكاً وكيف تحول في الغداة الى رجل مسؤول يواجه تصرفات خصمه بكل رقي وينتظر حسم الانتخابات بكل ترفع ويقابل سخافات آل غور الاستعراضية بالبقاء في المنزل خلف الأضواء. لقد اعطى جورج بوش الابن بلاده درساً في التواضع، آخذاً الأمثولة المريرة من كبرياء والده وأسلوبه. وقدم نفسه على انه الرجل الذي لا يعرف شيئاً فيما كان والده يقول ان كلبته ميلي تعرف في السياسة الدولية اكثر من منافسه بيل كلنتون.

لا يكف جورج بوش عن مفاجأة العالم. وخصوصاً خصومه. انه يعيد تركيب الادارة الاميركية وتمثيلها الشعبي. وقد اتجه بيل كلنتون الى «الأقليات» وحصر ذلك في النساء والشاذين وملأ ادارته باليهود. وتخطى جورج بوش تقليدية الحزب الجمهوري وانكلوسكسونيته واتجه هو ايضا الى «الأقليات»، لكنه وجدها في المهاجرين اللاتينيين وفي النساء وفي السود وايضاً في العرب.

وكان اختياره للسناتور سبنسر ابراهام كوزير للطاقة تحدياً معلناً للوبي الاسرائيلي كما كان اقراراً بالامتنان للصوت العربي الذي انتخب الى جانبه.

كانت وزيرة الصحة في ادارة كلنتون، دونا شلالا، هي ايضا لبنانية الاصل. لكن ذلك لم يكن تعيينا سياسيا، بل كان جزءاً من اعطاء المرأة عدداً اكبر من المقاعد الحكومية الرئيسية، بحيث كانت وزارة العدل ووزارة الخارجية ايضا حقائب جلدية نسائية. اما تعيين السناتور ابراهام فهو قرار سياسي معلن، اطرف ما فيه ان ابراهام كان يدعو الى الغاء وزارة الطاقة على اساس ان لا ضرورة لها.