حارس «لوران كابيلا» الشخصي ينفذ ما لم يقدم عليه «جيفارا» في وقته

TT

كان «أرنستو تشي جيفارا» الثائر العالمي الأرجنتيني الأصل يخطط لتحرير العالم من الرأسمالية ـ الكومبرادورية، عن طريق إشعال سلسلة من الثورات العنيفة في قارات الكرة الأرضية الخمس.

بعد انتصار الثورة الكوبية في الستينات، عين «جيفارا» وزيراً للمالية والاقتصاد. واحتقارا منه لورقة العملة الوطنية التي تصدرها الدولة الكوبية، فكان يوقع عليها باسمه المجرد «تشي»، باعتباره وزيراً للمالية! عندما اقتنع بأن «مهمته» انتهت في كوبا، بعد أن انتصرت الثورة، وهزم الدكتاتور «باتيستا»، شد «جيفارا» الرحال في جولة ثورية سرية إلى مكان ظل مجهولاً لحقبة من الزمن، ولكن المخابرات الأميركية كانت وراءه وتقتفي آثاره المضللة بعناية! وفي النصف الثاني من الستينات، اشتعلت ثورة في قرى وأدغال «بوليفيا» بأميركا اللاتينية.

تبين أن مشعلها هو «جيفارا» العائد لتوه من غابات «الكونغو»، وهي دولة في أفريقيا الاستوائية (الكونغو البلجيكي في السابق)، نالت استقلالها عام 1960، وشهدت صراعات سياسية وحربية دموية، ودفع رئيس وزرائها الوطني المثقف «لومومبا» حياته في أحد تلك الصراعات. والاسم الأصلي لهذه الدولة، هو «زائير»، نهر طويل (4640 كيلومتراً)، ينبع من منطقة البحيرات ويصبّ في المحيط الأطلسي.

في «الكونغو ـ زائير»، كان حلم «جيفارا» الثور يكاد أن يصبح «شجاراً عقيماً في حانة!».

فالزعماء «الثوريون الكونغوليون» وعلى رأسهم لوران كابيلا، الرئيس المغدور رمياً بالرصاص من قبل أحد حراسه الثلاثاء الماضي، كانوا يقضون أوقاتهم، إما في التسكع بأرجاء الأدغال، أو السهر في المقاصف والعلب الليلية واصطحاب الغانيات إلى فنادق عواصم وبلدات الدول المجاورة، مما أفقد «جيفارا» أعصابه، وقيل في وقته إنه كاد يُقدم على «عمل» من نوع ما، قد يسيء إلى سمعته كزعيم ثوري مرموق، كأن يعدم بعضاً من هؤلاء «الثوريين!».

أخيراً قرّ رأيه على مغادرة أدغال «الكونغو»، وترك الثورة في أحضان لوران كابيلا، الذي لم يخيب (...) ظن الثائر العالمي، فواصل معاملتها كأي غانية من اللائي كان يتردد عليهن باستمرار، وما أكثرهن في ذلك الوقت! وفي أغسطس (آب) 1998 سقطت العاصمة «كينشاسا» في قبضة لوران كابيلا وجيشه المندفع نحوها، بعد سقوط الدكتاتور موبوتوسيسي سيكو وموته، وهو الحاكم الشمولي الذي طبقت شهرته الآفاق في القمع واللصوصية، فضاق الشعب به ذرعاً، وما أن بدت طلائع جيش كابيلا على مشارف العاصمة، حتى سارع إلى الترحيب بها ومساندتها مما أسرع في سقوط العاصمة.

وقالت صحيفة «التايمز» اللندنية في عددها الصادر يوم 12 أغسطس 1998: «أذهل التقدم السريع تحت امرة لوران كابيلا نحو العاصمة، والطريقة التي أطبق بها على دولة أفريقية تقارب مساحتها مساحة القارة الأوروبية كلها!».

كان لوران كابيلا قد حول الحركة الثورية إلى سلسلة لا تتوقف من الصفقات والمشارىع التجارية، وكان له مسلحون وقواعد عسكرية، بالإضافة إلى محطة إذاعية، وكان كل ذلك عرضة للإيجار، لمن يدفع أكثر، دون أي اعتبار للوطنية أو الآيديولوجيا! أصبح لوران كابيلا رئيساً بموازاة «عاصفة ثورية» أخرى انبرت دولة «رواندي» إلى دعمها وتأجيج عصفها! وبمرور الوقت أعاد التاريخ فصلاً من وقائعه، وبالذات «الواقعة» التي لم يورط الثائر العالمي «جيفارا» نفسه فيها، ولكن بعد مرور ما يربو على ثلاثين عاماً، أطلق حارس شخصي مجهول من حراس لوران كابيلا النار عليه، بدلاً من أن يحدث ذلك في دغل من أدغال الكونغو أو مخدع وثير في فندق ذي خمس نجوم! فهل أسدل الستار على تراجيديا «أكبر شجار في حانة»؟! أعتقد أن أدغال «الكونغو» مكتظة بوفرة لا حد لها من الفواكه لتقطير المزيد المزيد من النبيذ، وما أكثر الطامحين والطامعين إلى شربه والسكر به حتى الثمالة!

* كاتب كردي عراقي