إدارة أميركية بلا وجوه يهودية

TT

لماذا جاءت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش خالية من أي يهودي؟

وكيف يستقيم ألا يعيّن بوش أية شخصية يهودي ضمن عناصر الإدارة الأميركية الجديدة؟

لقد رشح بوش لإدارته ليندا تشافيز، وهي رغم انها ليست يهودية، فانها متزوجة من يهودي على الأقل. ربما يقول البعض ان بوش اختار روبرت زوليك، وهو يهودي، غير ان منصب المفاوض التجاري الذي اختير له زوليك ليس منصبا وزاريا، ولا اهتم لما يقوله الرئيس نفسه، أو بالأحرى ما قاله لزوليك.

ثمة تباين واضح بين تركيبة إدارة الرئيس بيل كلينتون وادارة الرئيس جورج بوش الابن. فقد ضمت إدارة كلينتون شخصيات مثل روبرت روبين وخلفه في وزارة الخزانة لورانس سمرز. هناك أيضا روبرت ريخ في وزارة العمل ودان جليكمان في الزراعة وميكي كانتور وخلفه تشارلين بارشيفسكي كممثلين تجاريين بالإضافة إلى دنيس روس وآرون ميلر في مجال الجهود الخاصة بعلمية السلام في الشرق الأوسط. هناك أيضا ساندي بيرجر في مجلس الأمن القومي الأميركي وريتشارد هولبروك في كل مكان، (لا اعرف ما إذا كان علي ان احسب مادلين أولبرايت التي اكتشفت خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية انها من أصول يهودية، أو بيل كوهين الذي يتحدر من عائلة نصفها يهودي).

قلة اليهود في إدارة الرئيس المنتخب بوش لم تمر مرورا عاديا، فقد ذكرت خلال حفل غداء أقيم أخيرا بحضور بيل وهيلاري كلينتون في كامب ديفيد. كما تناول الصحافي زيف تشافيتز ذات الموضوع في صحيفة «نيويورك ديلي نيوز». المثير للانتباه هو ان لا أحد يلقي بالاً لما يحدث. اما إذا كان هناك تذمر في أوساط الجالية اليهودية، فانني لم اسمع بذلك بعد. وعلى العموم فان ذلك لا يساوي شيئا.

لماذا؟ لأن ما يبدو هو ان الجالية اليهودية الأميركية، وهي أقلية ضئيلة تقل عن نسبة 2 في المائة من السكان، حققت في بعض الجوانب، بطريقة أو بأخرى، وضع الغالبية. مثلما ان الرجال لا يعدون الرجال في الإدارة أو ان البيض لا يعدون البيض، اصبح اليهود في أميركا اكثر اطمئنانا إلى درجة انهم لم يصبحوا يلهثون وراء طمأنة ممثل لهم يمكن ان يستمع إليه الرئيس. عندما تقرر تعيين روث بادر جينزبيرج وسيتفن براير في المحكمة العليا لم تذكر خلفيتهما العرقية إلا عرضا، فالأمر الأكثر أهمية انهما ليبراليان.

لم يكوّن بوش إدارته الجديدة حسب ميولي الأيدلوجية، لكنه نجح في تجنب البحث عن هذه الصفة أو تلك مثل «اسود» أو «امرأة» أو «أميركي من أصول مكسيكية».. الخ. فبوش لديه واحد أو أكثر من كل فئة، غير ان الشيء المؤكد هو انه لم يخترهم لاعتبارات أو حسابات تتعلق بالخلفية العرقية أو الجنس سواء كان الشخص ذكراً أو أنثى. اختيار جيل نورتون وزيرة للداخلية جاء على أساس الرغبة والكفاءة وليس لأي أسباب تتعلق بجنسها حسب معرفتي.

من الواضح ان الوقت ما يزال مبكرا لقول ان المجموعات العرقية الأخرى يجب ان يكون لها رد فعل مماثل لعدم المبالاة المدروسة للجالية اليهودية إذا لم يتقرر اختيار أحد منها للإدارة الأميركية. للتنوع استخداماته بالطبع، ففي واقع الأمر ربما كان من مصلحة إدارة بوش ان يكون من بينها واحد من المعروفين علنا بالميل لنفس الجنس، ذكرا كان أو أنثى، كما من مصلحتها ان يكون هناك من يسأل جون آشكروفت من وقت لآخر: «عن أي شيء في العالم تتحدث؟».

عندما كنت طفلا كانت جدتي تطلب مني ان أحرك مقعدها إلى ان تصبح المسافة بينها وبين جهاز التلفزيون بوصة واحدة حتى تتمكن من مشاهدة نشرة الأخبار. كانت مهاجرة من بولندا وليست من الذين نجوا من الهولوكوست، بل نجت من المذابح والقوانين المتشددة والعداء للسامية. كانت تسألني إذا عما كان هذا المسؤول أو ذاك يهوديا، وعندما أجيبها بنعم، تسألني مرة أخرى بدهشة واضحة: «صحيح؟».

لو كانت جدتي على قيد الحياة اليوم ولم تر أي يهودي في إدارة الرئيس المنتخب بوش، ولو انني أوضحت لها ان هذا الأمر لم يعد يهم كثيرا لأجابتني قائلة: «يحدث هذا في الولايات المتحدة فقط» تماما كما كانت تجيب في كل مثل هذه المناسبات... «نعم جدتي... نعم».

* كاتب وصحافي أميركي ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»